كلمات

سفر الياسمين - لمى توفيق عباس


كأي مسافر يغادرنا خلسة دون وداع , لملمت أشياءها الصغيرة في جعبة من حلم ورحلت ,ماذا نستطيع أن نسمي الأشياء عندما تفتقد منطقها ؟ والذكرى عندما تصبح وردة تذبحك عنوة من الوريد..للوريد.؟ كيف نستطيع أن نعاتب الأغنية في غياب لحنها؟ والكلمات عندما تتحول الى سكين ؟ شاّم .. أيها الوطن ... ياحضن أمي الكبير,, أميرة اجتثت ضلوعي .. وقاسيون لايقبل التبرير.
كانت هنا تمشط شعري .. ألملم الياسمين في عز بوحه فأنسجه قصيدة عشق ,كانت هنا أسرق من ضيائها لؤلؤة أزين بها جبين القمر ..كانت هنا وكنت أنا وخمسة كواكب نلتقي ..جدران وأعمدة ومفاتيح ..وخصلات تتراقص على كتف الزمن .


كانت هنا ولازلت أنا أعاتب الصمت فأحيله الى صرخات ..أسرار بحيرة تغفو في زمن الطفولة الأولى وأشياء نهر أشبه بحكايا حملها من القمم البعيدة .. وراحٍ يترنح بها بين تلافيف الروح .. أي أميرتي .. أين "الشاطر حسن وحب فرط الرمان" ؟؟ أين عروسة الزعتر .. والسمن والسكر .. أين دفتري .. وسادتي .. صدرك الذي كان بيتي ومقصدي.. أين أنت ..؟؟


هل اعتقدت أننا كبرنا بما يكفي ,لا ..وقسما بك مازلنا أطفال نحبو عند عتبة قدميك ..أيتها المسافرة دوما من السؤال إلى السؤال .. . نوح حمامة على نافذة أسري... وضوع صبا على شرفة حريتي ... تمرين كالحلم , وتتهادين كأغنية من زمن المحبة وتقربين كهدية من زمن الأحباب الذين ارتحلو... يمر الصوت ويبقى الصدى وللصدى رجع لايغيب ... يتشظى الى جزيئات تمتطي النسائم .. تعبر الوديان .. تحرك الأوراق وتجوب الكون .


هذا هو رجعك .. هذا هو صداك .. يلامسني فيعبرني.. يحملني ويقطعني .. أنتشي به .. أكبر وأصير نجمة.. نجمة ولهى ترقبها عينا طفل ..ويصير العمر غيمة تحمل معها مطرااّخر.. وسفرا اّخر .. وصوبا اّخر .. كل شيء يذكرني بك .. أهرب منك إليك .. وكل حزن يعيدني إليك ..ملأتني ..ملأت هذي البئر العميقة من قاعها إلى السطح ..ملأت العيون وكذلك اليوم بصبحه ومسائه .. بدمعه وابتسامه .. بحراكه وتعبه .. ماذا فعلت حتى بدوت أكبر بعد هذا الغياب .. ومن أي عين شربت حتى تقاسمتك الأوقات والورود والأغاني والذكريات .. ألست بها كلها أصبحت ... أماه ...؟؟؟

أحبابنا .. أوطاننا .. الوطن وإن بعدنا عنه أو بعد عنا لايبيت ولا ينقضي ..ولايصبح قديما هو نضر دائما .. أخضر أبدا .. حي , باق , نعيش به وفيه ومعه لأننا بدأنا من رحمه وإليه ننتهي ..هناك مفاهيم كالحب , كالأمومة, كالأوطان ,كالحريات لاتنقضي بالموت .. إنها تتجدد معه , تزداد قوة.. تتكرس شكل حياة .

لهذا فإنك ياوطني الصغير ماانقضيت ولاانتقلت , فقط غيرت المكان وغيرت لون الضوء الذي تتضوئين , فازددت بريقا وازددت طفولة وأضحيت مشروعا يتجدد كل صباح... البعيدون قريبون أقرب مما نعتقد , من يسبق إلى الموت يسبق أبدا إلى الحقيقة لأنه يعرف أكثر وأعمق ويرى الأبعد ... الراحلون أكثر فهما منا قد خبروا عالمنا وغاصوا في العالم الذي مازلنا نجهله ونخاف منه.

أميرتي ... ياوطني .. يابيتي الصغير .. اعذريني فسطوري قد غدرت بي ... وكلماتي لم ولن تفيك حقك يوما من التقدير.

رحمك الله أماااااااه وأبقاني على طيب رحمتك وذكراك

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://znobia.com/?page=show_det&category_id=6&id=7916