منذ 27 يونيو الماضي، لم تثمر التصريحات المتبادلة بين دمشق وأنقرة في تحقيق أي تقدم ملموس، سواء من الناحية المعلنة أو غير المعلنة. بعد التفاؤل الذي ساد بين أنقرة ودمشق إثر دعوة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للرئيس السوري بشار الأسد لزيارة تركيا أو اللقاء في مكان آخر، عاد التشاؤم ليهيمن بعد أن طرح الرئيس الأسد شروطاً جديدة لهذه الزيارة. أبدى المسؤولون الأتراك ردود فعل سلبية على هذه الشروط، واستمرت اللقاءات مع قادة المعارضة السورية، سواء المسلحة أو السياسية، التي ترفض أي مصالحة مع “النظام”. ورفض وزير الدفاع التركي يشار غولر في 11 أغسطس شروط الرئيس الأسد، مشيراً إلى أن تركيا ستفكر في انسحاب قواتها من سوريا فقط بعد اعتماد الدستور الجديد وإجراء الانتخابات وضمان أمن الحدود، وأن أي تطبيع سيكون مرتبطاً بلقاءات جديدة على مستوى الوزراء. وفي وقت لاحق، كان وزير الدفاع غولر أكثر تفاؤلاً في تعليقه على احتمالات المصالحة، مشيداً بتصريحات الرئيس الأسد الأخيرة التي أظهرت تجاوباً مع دعوة إردوغان. وأعرب غولر عن أمله في وضع حد سريع للتوترات بين البلدين، وهو ما يعود بالفائدة على الطرفين. في ذات السياق، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الحكومة السورية ترى أن عملية التطبيع مع أنقرة تستلزم اتفاقاً حول انسحاب القوات التركية من سوريا، معتبراً أن الأتراك قد يكونون مستعدين لذلك، لكن لم يتم بعد تحديد المعايير الواضحة لهذا الانسحاب. تأتي هذه التطورات في وقت كان فيه الرئيس إردوغان على اتصال هاتفي مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ويبدو أنه نقل تفاصيل هذا الاتصال إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. من المتوقع أن يصل السيسي إلى أنقرة الأسبوع المقبل في زيارة هي الأولى منذ عام 2013، بعد فترة من التوتر بين البلدين. تشير المصادر الدبلوماسية إلى أن هذا الأسبوع قد يشهد سلسلة من الاتصالات بين إردوغان وزعماء المنطقة، بما في ذلك زيارات مفاجئة. ومن المتوقع أيضاً أن يكون هناك لقاء قمة محتمل بين الأسد وإردوغان في العراق، بحضور زعماء إقليميين آخرين مثل السيسي، بن سلمان، تميم آل ثاني، والعاهل الأردني عبد الله الثاني. قد تسبق هذه القمة لقاءات بين رؤساء أجهزة المخابرات ووزراء الدفاع والخارجية لتحديد تفاصيل المرحلة المقبلة من المصالحة. ومن المتوقع أن تكون القمة بين إردوغان والسيسي في أنقرة نقطة تحوّل هامة، وقد تسفر عن خطوات عملية، بما في ذلك إعلان جدول زمني لانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية. وفي النهاية، يعتمد نجاح هذه المحاولات على الضغوط التي سيتعرض لها إردوغان من زعماء المنطقة والرئيس بوتين. يبدو أن الجميع يستعد لمرحلة جديدة في الإقليم، مما يستدعي حلاً نهائياً للملف السوري لمواكبة تطورات غزة وأوكرانيا. أي اتفاق بين الطرفين سيعزز من دور سوريا التقليدي في المنطقة ويعيد تحديد موازين القوى، في وقت تتعرض فيه سوريا لضغوطات شديدة. إن تأكيد المصالحة مع دمشق قد يكون خطوة ضرورية لتحقيق استقرار أوسع في المنطقة، وإن لم يكن ذلك واضحاً للجميع بعد. الميادين نت |
||||||||
|