وجهات نظر

“لا توجد منطقة وسطى” ما بين الجنّة والنار

الاستاذ غسان أديب المعلم -ميدلاين نيوز


الموضوع هنا ليس بصدد التعاون السوري العراقي في أغنية شاعرها من سوريا ومغنيها من العراق، ولا في إعادة ما نؤكّد عليه دائماً من تشابه السيناريوهات “السوراقيّة” حتى وحدة المصير، فقد كتب السوريّون بما فيه الكفاية بهذا الخصوص، والأهم أن التاريخ ساعدهم في ذلك الأمر بتقديم الوقائع والحجج والبراهين والأمثلة، والأمر هنا ليس حشواً لغويّاً بقدر ماهو تذكير وتنبيه بمسألة الوعي التي يعبث بها الجانب الإعلاميّ ويسيّرها حسب توجّه الصانع لأذهان الشعوب. وللإضافة أيضاً فالموضوع ليس إدعاءً بإمتلاك الوعي الكامل من طرف كاتبٍ أو موقعٍ، ولو أنّ الموقع الذي يحمل شعار “سوريا فوق الجميع” كافٍ ووافٍ ليكون اسماً بحروفٍ من ذهب، بل إرداف ماتسنّى من أسباب ونتائج ماسبق من أحداثٍ تاريخيّة ووضعها في سياقها، وترك الباقي للمُتلقّي الذي يختار المنطقة التي يريد. الخبر الجديد يُشير إلى رغبةٍ أمريكيّة جاءت بعد “قانون الكبتاغون” الأخير، بإحداث منظومةٍ إعلاميّة مع موازنة بملايين الدولارات مهمتها نقل الأخبار “الصحيحة” وجذب قرّاء الداخل السوريّ لها بعيداً عن الأخبار والصور المُقتطعة التي تلمّع فيها السلطات السوريّة وجهها مع حلفائها، بحسب الوصف الأمريكيّ، هذه المنظومة التي يُراد منها أن تقوّض الجهود الأممية في الوصول إلى الحلّ الذي اقترحته، وتشويه صورة الداخل السوري، وإجهاض جهود تحقيق الاستقرار. وعلى الجانب المُقابل، ندّدت الخارجيّة السوريّة بهذا القرار، معتبرةً أن هذا القرار غايته تشويه صورة الدولة السوريّة وسيادتها الداخليّة، وكذلك الأمر للتغطية على جرائم العدوان الأمريكي من خلال الاحتلال والحصار. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أهمّ الأمور بأنّه لا يوجد سوريّ حقيقيّ مُنتمٍ لوطنه سيتعاطى مع هذا الإعلام دون دراية كافية بما يضمره الأميركي ويهدف إليه من هذا المشروع، فأمريكا عدوّ كما أي محتلّ لهذه البلاد، وهي بالتأكيد من الأخطر لأن باقي الاحتلالات خاضعة لها وبأمرها ودعمها. لكنّ من الواجب ايضاً التذكير بالوضع الداخليّ المشوّه أصلاً، والذي ليس بحاجة إلى قرارٍ أمريكيّ أو غيره ليظهر بشاعته، فقد عرّت الأزمة تلك الآيدولوجيا المُزمنة التي فرضت أفكاراً معيّنة عبر الشعارات دونما الأفعال، وبنت وعياً يتناسب مع فكر السلطات لدوام السيطرة، وفضحت ذلك البناء ذو الأساس الهشّ نتيجة تغييب القوانين وإنعدام المواطنة، والذي كان سبباً رئيساً، أكثر من المؤامرة، لما وصلت إليه حال البلاد. وعطفاً على ماسبق، ولأن نشر الوعي كان عبر الإعلام الموجّه بدرجةٍ كبيرة لغياب كافّة الوسائل المُتبقيّة، كأفكار الكتب على سبيل المثال، وكيف أحدث فيكتور هيجو وتشيخوف وغرامشي وغيرهم من الكتّاب تغييراً في هذه المسألة، فإنّ الإعلام أصبح باستطاعته في الوقت الحاضر أن يُسقط دولاً ويفكّكها ويشرذمها ويخلط أوراقها ويشتّت وعيها بسهولة، وهذه السهولة تتحقّق بمبالغ قليلة لو كان الطرف المُقابل مُستكيناً أو خشبيّاً أو حتى عميلاً لا يأبه لفكرة ومضمون الإعلام الحقيقيّ الذي من شأنه التحصين وبناء المناعة.. بنغازي سقطت إعلاميّاً، بغداد سقطت إعلاميّاً، وأذكر تماماً المعركة الإعلاميّة التي حصلت إبان المفاجأة المفترضة من قبل القوّات الأمريكيّة في منطقة “أم القصر” في جنوب العراق لمدة خمسة عشر يوماً من المعارك، في حين ظهر نائب رئيس الموساد على إحدى وسائل الإعلام التي تم “تحديدها” لنقل تفاصيل المعارك وقال بالحرف: ستسقط بغداد بعد عشرة أيام .. وسقطت!!. في مقابل تلك المسرحية والتي أحدثت صدمة “مُفتعلة” في عقل الشباب العربي الذي كان مُنشغلاً بمسرحية “علوج الصحّاف” الذي كان يتفنّن في بثّ الأخبار الكاذبة عن معركة المطار وسحق الأمريكان وأن معنويات القيادة والشعب تصل حدود السماء السابعة!، والنتيجة سقوط العراق بأكمله!. بقي أن نشير إلى أمرٍ مهمٍ أيضاً، وهو ترابط المنظومة الإعلاميّة المُعادية للشعب العراقي، وليس للإعلام العراقي، مع بعضها البعض والعمل لأجل هدفٍ واحد هو تمزيق العراق، فأن يؤكّد المسؤول الاسرائيليّ على سقوط بغداد ليس صدفة، بل هو نتاج تنسيق وعمل متكاملين بين مفردات هذه المنظومة التي كانت فيها أمريكا رأس الحربة والقائد، أما الجنود فكانوا حلفائها من الأعداء للشعب العرقي وأولّهم إسرائيل التي شاركت في هذه الحرب عسكريّاً إضافةً للإعلام، فجنود الكتيبة البولنديّة الذين لقوا حتفهم في العراق تم لفَّهم بالعلم الإسرائيلي أوّلاً، ولمن لا يعلم فإنّ العقيدة الدينيّة في إسرائيل تقسّم “الجنّة” المُفترضة لأربعة أقسام، أعلاها الفردوس، والفردوس لا يتحقّق إلّا بجلب “قبر سليمان” وقبر سليمان في العراق، وحالياً هناك من يقول أو يُشير بأنّ الهيكل المزعوم قد يكون في تدمر السوريّة، وهو ما أشارت إليه بعض وسائل الإعلام قبل سنوات، ولا أستغرب الأمر، فعدو إسرائيل الأكبر هو “سوراقيا” ولا شيء سواها. وبالعودة إلى صلب الموضوع والحدث الأخير، وأقصد الناحية الإعلاميّة بين “النار الأمريكيّة” التي أجزم بأنّ غالبيّة السوريّين يعلمونها على “دوز بارة”، ويعلمون ماتهدف إليه هي وحلفائها، لكن ماذا عن المقابل؟. مقابل النار يجب أن تكون هناك “جنّة”، فهل الإعلام المُقابل في وطننا هو كذلك؟. حقيقة الأمر أنّنا لا نملك “مؤسسة إعلاميّة حقيقيّة” كما افتقادنا لباقي المؤسسات، وكما افتقادنا للقانون والمواطنة، فالإعلام الحقيقيّ من واجباته نقل صوت الشعب للحكّام، وليس تلميع أحذية الحكّام على حساب الشعب. والوعي الحقيقيّ الذي من المُفترض أن يسهم فيه الإعلام الوطنيّ الحقيقيّ، ليس أكثر من تكرار مسرحيّات “الصحّاف”، وهذا الأمر بالذات أحدث “فجوة وصدمة” بين الشعب والسلطات، لدرجة أن غالبيّة السوريّين يتابعون فصول المهازل اليوميّة بين مؤسسة “مجلس الشعب” ومؤسسة “مجلس الوزراء”، وغيرها من الاستعراضات البهلوانيّة والحيل والأكاذيب التي لم تعد تنطلي على أحد، والإعلام وكما أشرنا بأنه وسيلة نشر الوعي الأكبر فهو يمثّل بذات الوقت صورة الدولة المفترضة، والتغلّب عليه أمريكيّاً سهل جدّاً لأنه ضعيف وفاقد للشفافية والمصداقية بل وحتى الوطنيّة.. وعليه، وبما أننا تحدّثنا عن الجنة والنار في عقيدة الأعداء، فلا بدّ من الإشارة أيضاً إلى أن العقيدة وفق الدين الإسلامي تقول أن الجنة والنار لهما أيضاً مراتب، والفردوس أيضاً موجودة، وغيرها من أسماء جهنّم. وهناك أيضاً منطقة وسطى بين الجنة والنار اسمها “منطقة الأعراف” أو ما يُسمّى بـ “سور الأعراف”، يمشي عليه من تساوت حسناته مع سيئاته، ثم يضعهم الله سبحانه وتعالى في الجنّة كما ورد في القرآن الكريم. لذلك، نحن في أشدّ الحاجة لهذه المنطقة، فلا يمكن لسوريّ محبّ أن يقف مع نار أمريكا لا أوّلاً ولا عاشراً، ولا يمكن في الوقت ذاته الاستمرار مع جنّة السلطات الاستعراضيّة ثانياً، إلّا بعد إنشاء حياة حزبيّة حقيقيّة وحريّة للأفراد وسنّ قانون لمنظومة إعلاميّة وفق مشروع وطنيّ جامع ينتشل البلاد من براثن الفساد مع باقي المؤسسات. غير ذلك سنسقط، ونسقط أكثر إذا لم تكن أهدافنا وعملنا وشعاراتنا بأن تكون “سوريا فوق الجميع”، ولن يكون لنا لا جنة ولا نار ولا حتى أعراف.

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://znobia.com/?page=show_det&category_id=13&id=33054