وجهات نظر

الله أكبر يا "هَلِيْ"!!..

الاستاذ خالد العبود


-موجعةٌ جدّاً هذه اللحظات، وقاتلةٌ جدّاً هذه السّاعات، وأنت ترى جزء من مرتع صباك، تطحنه القذائف، ويسرقُ جلال صمته أزيزُ الرّصاص، وتبلع صدى حكاياه الصغيرة، سماسرة الليل، وأكلةُ أوجاع الشعوب، وقوّادو الشّعارات الكاذبة!!.. -موجعةٌ تلك اللحظات التي لا يمكنك فيها أن تصرخ بأعلى صوتك، وأنت تعلم وتعرف وتدرك كلّ شيء، تعلم أنّ أهلك مضحوكٌ عليهم، وأنّ ربعك وعشيرتك، تبيعُ وتشتري بهم، كلّ الغرف السوداء، وكلّ أجهزة استخبارات الأرض، وكلّ السفارات وكلّ حكومات النهب والسيطرة، وكلّ سلطات الهيمنة على مستوى العالم!!.. -شعورٌ ذابحٌ يفتكُ فيك وأنت تراقب أهلك، وهم يذبحون أنفسهم، ويشرّدون تاريخهم ويبيعون كراماتهم بثمنٍ بخسٍ، وفوق أرصفة دول قامت أساساً على استعباد الشعوب وإذلالها ونهبها وسرقة عمرها وأحلامها وطموحاتها وآمالها!!.. -قاتلةٌ تلك اللحظات التي لا يمكنك أن تمتلك كلمة سرّ الكون، لتردّ بعض أبناء أهلك وربعك وعشيرتك، عمّا هم يصرّون عليه، وعمّا يظنون أنّه حقٌّ وعدلٌ وحدٌّ من حدود الله!!.. -منذ الساعات الأولى، وأنا أصرخ بأعلى صوتي، وأنا أنادي عليهم، بعضهم لم يسمع، ولا يريد أن يسمع، أكثر من عشرة سنين، وأنا أحمل مفرداتي في وجه الظلم، وفي وجه الجهل، وفي وجه الاستغباء والتنكيل!!.. -أشعر بعجز شديد، وأشعر بضعف شديد، وأشعر بهزيمة كبرى، وأنا غير قادرٍ على أن أردّ البعض، من أبناء مرتع صباي، وملعب طفولتي، ومدرج أحلامي وآمالي، وأنا غير قادرٍ على أن أقنعهم بالحقيقة، وأنا غير قادرٍ على أن أمنع الآخرين من الضحك عليهم، والعبث بهم، والدفع بهم إلى الموت!!.. -ماذا يمكنني أن أفعل، لا أدري، كيف يمكنني أن أقنعهم، بأنّهم كانوا حطباً، وظلّوا حطباً، وهم الآن أسوأ من ذلك بكثير.. -يا ربعي، يا أهلي وعزوتي وعشيرتي، أقسم لكم بالله العظيم، أنّه لم يكن لنا فيها لا ناقة ولا جمل، وأقسم لكم بالذي لا إله إلا هو، أنّ الرواية كانت منذ الساعات الأولى بين يدينا، وكنا نعلم أنّكم ستُستعمَلون وتُقتّلون وتُهجّرون وتُشرّدون، وكنّا نعلم أنّكم ستكونون وحدكم الخاسرين!!.. -بماذا أناديكم، بمن أناشدكم، وبمن استحلفكم، ثقوا بي، واسمعوا منّي، فوالله ثم والله، لو كان الأمر بينكم وبين نظام سياسيّ، لما كنّا إلا في صفّكم، ولو كان الأمر بينكم وبين السلطة، أو أحدٍ منها، من هذا الوطن، لما كنّا إلا إلى جانبكم!!.. -لقد عُبث بنا أيّها الأحبة، وقلبت علينا الدنيا كلّها، ليس حبّاً بسواد عيوننا، لا والذي رفع السماء بلا عمد، وإنّما لأهداف وأطماع لقوى كبرى، وحكومات وسلطات وجماعات ومافيات، تريد أن تبتلع جميع أبناء المنطقة، قبل أن تبتلعنا.. -يا أحبابي.. يا أصحابي.. حرامٌ لهذا الرصّاص اللعين، أن يزعج نوم طفلٍ من أطفالنا، وحرام لهذا الدمار والخراب الذي يحيط بنا، أن يخدش عين ولدٍ من أولادنا، وحرامٌ لهذا الخوف والرعب أن يحاصر حاضرنا ومستقبلنا!!!.. -كثيرون الذين لعبوا، ويلعبون، بنا، وكثيرون الذين زيّنوا، ويزيّنون، لنا، واقع ساعتنا، وكثيرون الذين نفخوا، وينفخون، في قربةٍ لنا، لا تعنينا الآن، وهي ليست في مكانها وزمانها الصحيحين!!.. -يا بعض أهلي في "درعا البلد"، وعلى أكتاف وشرفات "وادي اليرموك"، و"وادي الزيدي"، يا عشيرتي يا ربعي، هناك من يأكل ويشرب ويقتات ويجمع المال ويقيم البنيان، على حساب دمنا، وحساب آلامنا، وحساب أوجاعنا، وخسائرنا وفقرنا وتشرّدنا وقتلنا، أقسم لكم بالله العظيم، أنّهم بينكم، عملاء وخونة ومدسوسين، تحرّكهم أجهزة استخبارات، وسفارات وحكومات، وتغدق عليهم بالمال والسلاح، من أجل أن تبقوا على ما أنتم عليه!!!.. -أؤكّد لكم، كما كنت دائماً، أؤكّد لكم، أنّ الدولة ستدخل هذه المناطق، وأنّ الدولة لن تقبل بما أنتم مُستغَلّون به، ومحكومون به، وسوف تنهي الأمر لصالحنا جميعاً، وتدخل تلك المناطق، وسيخرج أبناء لنا، من تلك الحارات والأزقة، وبعد مئة عام، كي يقولوا، ويتحادثوا، ويتذاكروا، بأنّ قوى طامعة وناهبة، وأنّ عملاء وخونة ومرتزقة من بيننا، كانوا عبيداً لها، لا يعنيهم إلا المال، أمّا الأوطان فلتذهب إلى الجحيم!!.. -غداً ستدخل الدولة، وستبحثون عن زعاماتهم، ولسوف تجدونها، إمّا في أحضان السلطات، وعلى أبواب أجهزة الأمن، أو أنّهم سيغيبون، وسيتبخّرون، لصالح أداورٍ أخرى، في عواصم أخرى، أنظروا إلى نسخهم الأخرى في باقي المحافظات، أين هم، أين زعيقهم وأين صراخهم وأين تهديداتهم، أين ما وعدوا الناس به، وقتلوا الناس من أجله، أين؟!!.. -ليس عيباً أو عاراً أن نخطئ، هذا أمرٌ عاديّ وطبيعيّ، لكنّه العيب والعار كلّه، أن نرى ما رأيناه، ونعيش ما عشناه، ونتابع ما تابعناه، ولا نتّعظ أو نتعلّم، إنّه العيب والعار كلّه، عندما نصل إلى ما وصلنا له، ولا نبحث عن مخارج آمنة وكريمة وعزيزة، حتّى ولو أنّها تعارضت مع قناعات أضحت بالنسبة لنا مهزومة!!.. -ألا يكفينا كي نتّعظ، ألا يكفينا كي نستفيق، ماذا يريد البعض منّا، أن يقيم دولةً في شارع أو شارعين، أو أن يقيم مملكةً، تكون محرساً على مدخل "الدولة اليهوديّة"، أو حاجزاً ليمنع "المجوس" و"الملالي" و"الصفويين"، من الوصول إلى "دولة اليهود"، الغاصبة المحتلة السارقة الناهبة، لفلسطين وشعبها؟!!.. -ماذا يريد البعض منّا، أن نكون إلى جانب المحتلّين والغزاة، لنمنع الأسد من أن يكون على بوّابات فلسطين، وأن نكون جيباً أو شريطاً "إسرائيليّاً"، بالتنسيق مع العدو ومع حكومات التبعية والإذلال والتطبيع؟!!.. -ماذا يريد البعض منّا، أن نقف أمام الشاشات وعلى أسطحة بيوتنا، كي نصفّق لطائرات العدو "الإسرائيليّ"، وهي تقصف "جيش الأسد"، وندعو لها بالنصر المؤزّر عليه؟!!.. -ماذا يريد البعض منّا، أن نكون جزء من صفقة خزي وعارٍ، لبيع كراماتنا وشرفنا وسيادتنا، على عتبات من كانوا أساس دمار بلادنا وخرابها واحتلالها؟!!.. -الله أكبر يا حوران.. الله أكبر يا أمّ اليتامى.. الله أكبر يا النشامى.. الله أكبر يا "هَلِيْ".. الله أكبر!!..
Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://znobia.com/?page=show_det&category_id=13&id=28951