يتعرّض أكثر من 20 مِليون مُواطن سوري ما زالوا يتشبّثون بالبقاء على أرض بلادهم إلى ظُروف معيشيّة صعبة جدًّا، ليس بسبب انتِشار فيروس الكورونا، وانهِيار شِبه كامِل للنّظام الصحّي، وإنّما أيضًا لنقصٍ كبير في الغذاء والدواء ومشتقّات الطّاقة المُختلفة بسبب الحِصار الأمريكيّ والأوروبيٍ الخانِق والاعتِداءات الإسرائيليّة المُتكرّرة على سُفُن الإمداد. لعلّ نقص الغاز والوقود سواءً بسبب احتِلال القوّات الأمريكيّة وعُملائها من قوّات “قسد” لآباره واحتِياطاته شرق دير الزور، أو بإقدام دولة الاحتِلال الإسرائيلي على هجمات على ناقلات النفط الإيرانيّة في شرق المتوسّط، لعلّ هذا النّقص هو أحد مصادر المُعاناة الرئيسيّة هذه لِما أحدثه من حالةِ شللٍ شِبه كاملٍ في قِطاعات النّقل، الخاص والعام، في مُختلف مُدن سورية، وتخفيض حصص الاستِهلاك اليوميّة اللّازمة إلى كميّاتٍ محدودةٍ جدًّا، وامتِداد طوابير السيّارات التي تنتظر أمام محطّات الوقود لعدّة كيلومترات في بعض الأحيان، حسب أقوال القادمين من سورية هذه الأيّام، الأمر الذي عرّض الحُكومة، والحليف الروسي إلى انتقاداتٍ عديدةٍ، بل وحالةٍ من السّخط على المُستوى الشّعبي. وصول أربع ناقلات نفطيّة إيرانيّة مُحمّلة بحواليّ خمسة ملايين برميل من النّفط الخام إلى ميناء بانياس السّوري قبل بدء شهر رمضان المُبارك أحدث “انفراجةً” كبيرة في أوساط السّوريين، والسِّر الذي يَكمُن خلفها يعود إلى إقدام سُفن حربيّة روسيّة على مُرافقة هذه النّاقلات حتى وصولها إلى الموانئ السوريّة، وتوفير الحِماية اللّازمة لها. وكالة أنباء “سبوتنيك” الروسيّة كشفت عن تأسيس غُرفة عمليّات ثلاثيّة “روسيّة سوريّة إيرانيّة” بهدف تأمين تدفّق آمِن ومُستقر لإمدادات النفط والقمح والمواد الغذائيّة والطبيّة اللّازمة لسورية وكسر الحِصار الأمريكي الأوروبي، وهي خطوة “غير مسبوقة” مُنذ بَدء الأزَمة السوريّة قبل عشر سنوات. خطّة الحِماية الجديدة، مثلما جاء في تقرير للوكالة المذكورة آنفًا، تقضي بتجميع النّاقلات الإيرانيّة في قافلةٍ واحدة، وتوجّهها تحت حِماية الفرقاطات العسكريّة الروسيّة إلى الموانئ السوريّة. هذا الإجراء الذي يَعكِس قِيام الحليف الروسي بواجباته، والاستِعداد للتصدّي لأيّ اعتِداءات إسرائيليّة أو أمريكيّة للنّاقلات الإيرانيّة، جاء بعد ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكيّة عن استِهداف إسرائيل لأكثر من 12 ناقلة كانت مُتّجهةً إلى سورية مُحمّلةً بالنفط والغذاء. السّفن البحريّة الإسرائيليّة لن تجرؤ بعد اليوم على مُهاجمة النّاقلات الإيرانيّة لسببين رئيسيّين: الأوّل الحِماية الروسيّة، والثّاني إقدام إيران على قصف سفينتين تجاريتين إسرائيليتين في مدخل باب المندب وخليج عُمان مُؤخَّرًا، وهذا يعني أنّ حُلفاء سورية الذين وقفوا إلى جانبها في حربها ضدّ المُؤامرة الأمريكيّة الإسرائيليّة، لن يتخلّوا عنها، ولن يتردّدوا في كسر الحِصار الخانِق والظّالم المفروض عليها حتّى لو وصلت الأُمور إلى مُواجهاتٍ عسكريّة. ومثلما نجح الحليف الروسي بتزويد الجيش العربي السوري ببطاريّات صواريخ مُتطوّرة أسقطت الطائرة الإسرائيليّة “إف 16” التي اخترقت الأجواء السوريّة قبل عامين، ومنعت بالتّالي الطّيران الإسرائيلي من اختِراق هذه الأجواء كُلِّيًّا مُنذ ذلك التّاريخ، ها هو يَفرِض مظلّة حماية بحريّة على جميع السّفن التي تنقل النفط والمواد الغذائيّة إلى الموانئ السوريّة، ممّا يَعكِس تغييرًا مُهِمًّا في قواعد الاشتِباك، أبرز عناوينه وضع حَدٍّ للغطرسة الإسرائيليٍة، ولن نَستبعِد أنّه قد تكون هُناك “تفاهمات سريّة” غير مُعلَنة أبرزها تفعيل استِخدام منظومات صواريخ “إس 300” الروسيّة التي باتت في حوزة السّلاح الجوّي السّوري مُنذ سنوات. استِهتار بنيامين نِتنياهو بالتّحالف الثّلاثي السّوري الإيراني الروسي، وتعمّده إحراجه، بل إذلاله، يقترب من نهايته، وارتدّ سلبًا على الدّولة العبريّة، خاصّةً بعد أن ردّت إيران بضرب سُفن إسرائيليّة في المُحيط الهندي والبحر الأحمر، وزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60 بالمِئة، وتحميل إسرائيل المسؤوليّة أمام العالم. الصٍبر السّوري الرّسمي والشّعبي المصحوب بكظم الغيظ بدأ يُعطِي مفعوله بشَكلٍ مُتسارع على صعيد كسر الحِصار، ووصول الإمدادات النفطيّة والغذائيّة إلى الموانئ السوريّة بالقوّة، والأيّام القادمة قد تكون حُبلَى بالمُفاجآت على مُختَلف الصُّعُد.. أو هذا ما نأمله في هذه الصّحيفة. |
||||||||
|