يشهد الشرق السوري من فترة الى أخرى، بعض عمليات المقاومة ضد وحدات الاحتلال الاميركي. وحتى الآن بقيت هذه العمليات خجولة، ولا يمكن القول إنها تأخذ طابع العنف أو الشراسة أو الفعالية الكافية لتأمين ضغط مناسب، بشكل يُجبر تلك الوحدات المحتلة على الانسحاب، كما وصلت مثلًا عمليات المقاومة العراقية من درجة الشراسة، في المرحلة الأخيرة قبل انسحاب الاميركيين من العراق عام 2003، أو كما وصلت عمليات المقاومة اللبنانية وحزب الله ضد العدو الاسرائيلي قبل تحرير لبنان عام 2000. طبعًا، هذا لا يعني أن أبناء الشرق السوري راضون بهذا الاحتلال، أو أن نسبة المعارضة لدى أبناء تلك المنطقة لا ترقى لمستوى اتخاذ قرار بمقاومة الاحتلال، بالعكس فإن أغلب السوريين في شرق الفرات وفي شمال شرق سوريا هم أحرار وطنيون، يؤمنون بوحدة وسيادة سوريا بالكامل تحت قيادة حكومتها الوطنية الشرعية ورئيسها الدكتور بشار الاسد. ولكن ظروف الاحتلال المزدوج الضاغط، من أميركي أو تركي، بالاضافة لوجود نسبة كبيرة من المسلحين الأجانب والارهابيين برعاية الاحتلالين، ترفع من صعوبة المواجهة، خاصة أن الأميركيين كما الاتراك، يعطون أهمية كبرى في احتلالهم الاراضي السورية، بهدف تنفيذ أجندة كل منهما الخاصة، والتي بنيا عليها الكثير من المخططات والمشاريع المشبوهة التي تستهدف سوريا من جهة، ومحور المقاومة بين ايران والعراق ولبنان من جهة أخرى. بتاريخ 26 أيار الماضي، أصيب 3 جنود أمريكيين و5 عناصر من “قوات سوريا الديمقراطية” في هجوم على رتل مشترك لهم على الحدود الإدارية بين محافظتي الحسكة ودير الزور شمال شرقي سوريا، وكانت قد نقلت وكالة “سانا” عن مصادر محلية قولها إن رتل آليات مشتركا للقوات الأمريكية ومجموعات من “قوات سوريا الديمقراطية” تعرض لهجوم نفذه مجهولون باستخدام سلاحي الرشاشات وقواذف “آر بي جي” عند مفرق قرية رويشد على الحدود الإدارية الفاصلة بين محافظتي الحسكة ودير الزور، وقد نقل المصابون الثمانية إلى مقر القاعدة الأمريكية في مدينة الشدادي جنوب الحسكة. وسبق تلك العملية عملية أخرى في 27 نيسان الماضي، قتل فيها ضابط من القوات الأمريكية واثنان من القوات الكردية بكمين نفذه مجهولون على دورية أمريكية كردية مشتركة عند قرية الوسيعة التابعة لناحية الصِوَر بريف دير الزور. من جهة أخرى، نقلت قناة “روسيا اليوم” عربي عن وكالة “سانا” السورية، بتاريخ 3 تموز الحالي، وقوع إصابات بين القوات الأمريكية و”قسد” في هجوم على رتل مشترك شرق سوريا، حيث وقع الهجوم على تلك الوحدات أثناء مرور الرتل بجانب كازية عيسى العصمان في قرية الصبحة التابعة لمنطقة البصيرة بريف دير الزور الشرقي. هذه العمليات الأخيرة، تعطي فكرة معينة أن هناك تصاعدًا أو تطورًا متصاعدًا لعمليات المقاومة ضد الاحتلال الاميركي في الشرق السوري، ووقوع هذا العدد من الاصابات بين قتيل ومصاب، يؤشر الى ارتفاع مستوى نوعية وفعالية الأسلحة والمعدات المستخدمة من قبل وحدات المقاومة السورية، مع اشارة أخرى الى وجود مستوى غير متواضع من الخبرات لدى تلك الوحدات، والتي استطاعت ايقاع اصابات في صفوف وحدات اميركة مدربة ومجهزة بأحدث تجهيزات الحماية والانتقال الآمن، وتستفيد أثناء انتقالاتها من شبكة رصد ومراقبة جوية وأرضية واسعة وفعالة . هذا الارتفاع في مستوى العتاد المستعمل في العمليات وفي مستوى حرفية وخبرة المنفذين، والذي بدأ يُواكَب مع حركة شعبية داعمة بشكل علني وصارخ لمقاومة الاحتلال، ويقودها كوكبة كبيرة من المواطنين والقبائل في الشرق السوري، يمكن اعتبارها نقطة انطلاق جدية وفاعلة نحو حركة مقاومة واعدة. وفي هذا الاطار المعارض علنًا وجهارًا للاحتلال الاميركي، شهدت قرية طرطب في ريف القامشلي من محافظة الحسكة، تظاهرات احتجاجية رافضة لقانون “قيصر” الأميركي ضد سوريا، وللمطالبة بخروج القوات الأجنبية من أراضيهم، وحركة الأهالي الذين تجمعوا في ساحة القرية وأحرقوا العلم الأميركي، والذين عبروا عن إرادة شعبية رافضة لأي وجود أجنبي على أرضهم، تؤكد بما لا يحمل الشك ابدا، استعدادهم لإطلاق مقاومة شعبية شاملة لطرد المحتلين واستعادة السيادة الوطنية على كامل الأراضي السورية. هذا لناحية حركة المواطنين السوريين، والذين يعيشون تحت الاحتلال الاميركي في شرق سوريا، أما بالنسبة لاجراءات الوحدات الاميركية المحتلة في تلك المنطقة، فلا شك أنها بعد هذه العمليات الأخيرة، بدأت تغير من طريقة انتقالها بشكل يصبح محميًا أكثر، مع تشديد المراقبة الجوية وزيادة عناصر الحماية والاستعلام ومواكبة الدوريات، بالاعتماد على عدد أكبر من عناصر قوات سوريا الديمقراطية، كما أن الوحدات الاميركية المحتلة، أضافت مؤخرًا على قواعدها الأساسية، مطارًا عسكريًا في منطقة اليعربية بريف الحسكة، لتعزيز وحماية وجودها في الجزيرة السورية، بالاضافة لقيامها وبشكل متواصل مع وحدات قسد، بادخال شاحنات محملة بالمعدات والموادّ اللوجستية، واقامة سلسلة واسعة من السواتر الإسمنتية والثكن العسكرية. انطلاقا من حركة العمليات المتصاعدة والواعدة ضد الاحتلال الاميركي في الشرق السوري، مع الاعتراف بكونها غير كافية حتى الآن لاحداث فارق مؤثر عليها يجبرها على الانسحاب، والمترافقة مع مواقف شعبية وقبلية متقدمة ضد الاحتلال، فيها الكثير من الجرأة والإقدام بمواجهة احتلال مسيطر بشكل غير بسيط، مع وجود طرف محلي داعم له ومساند لاحتلاله (قوات سوريا الديمقراطية). وانطلاقا من تزايد حركة التحصينات والتغييرات الميدانية لوحدات الاحتلال الاميركي، والتي تؤشر الى جدية الأخيرة في أخذ عمليات المقاومة ضدها على محمل الجد، والتي لا يمكن اعطاؤها طابع تثبيت الاحتلال، أكثر منه اعطاؤها طابع الخوف والخشية والعمل لحماية أوسع لوحداتها. انطلاقا من كل ذلك، بالاضافة لما يمكن أن يتخذه الرئيس ترامب من قرارات مفاجئة واستثنائية، يأمل أنها قد تشكل صدمة ايجابية، تساعده على تحسين صورته الداخلية قبل الانتخابات، والتي يبدو أنه أصبح مقتنعًا بخسارتها، لا يمكن استبعاد فرضية انسحاب مفاجىء لوحدات الاحتلال الاميركي من الشرق السوري، وذلك بين ليلة وضحاها. |
||||||||
|