وجهات نظر

كيف حمى الأسد بلاده من جحافل الغزاة والطامعين؟!!!..

الاستاذ خالد العبود - الصفحة الشخصية


- بعد أيّام معدودات على أحداث درعا، وقف الرئيس بشار الأسد تحت قبّة مجلس الشعب، ليلقي خطابه الأول، ويردّ على الحاصل في سوريّة، ويوضّح طبيعة هذا الحاصل.. -كانت قراءة الرئيس الأسد صحيحة ودقيقة لطبيعة هذا الحاصل، غير أنّ كثيرين، نؤكّد على كثيرين، من داخل بنية النظام السياسيّ ومن خارجه، اعتبروا أنّ الرئيس الأسد مفصولٌ عن الواقع.. -والحقيقة أنّ هؤلاء الكثيرين، وفوقهم كثيرون آخرون، كانوا هم المفصولين عن الواقع، إمّا خيانة وعمالة، أو جهلاً وأميّةً وطائفيّة وقبليّة عفنة.. -عودوا إلى خطاب سيادته، واقرؤوه من جديد، فكّّكوه وادرسوه وحاولوا فهمه، تجدون أنّه كان يحاكي واقعاً لم نكن نعرف عنه الكثير، وربّما كان بعضنا يساهم فيه، دوراً مأجوراً يؤديه، أو دوراً أدّاه نتيجة خوفٍ أرجفه، أو جبنٍ جعله فوق "التلّة"!!!.. -يومها ذكّر الرئيس الأسد أعداءه، كما خصومه، كما الراجفين الذين قعدوا ينتظرون لحظة سقوطه، بأنّ أيّ عدوان على بلاده لن يمرّ، حتى ولو تدخّل الأعداء بشكل مباشر لمواجهته.. -أفضل الموالين له يومها، كانوا يطرحون التالي: "وهل يريد الرئيس أن يواجه ويتحدّى العالم"؟!!!.. والغريب أن الرئيس الأسد واجه وتحدّى العالم، ثمّ هزمه!!.. -كان يدرك الرئيس الأسد قبل ذلك بأيام طويلة، نقول طويلة، بأنّ ما يجري في بلاده كان يعدّ له منذ سنوات، وأن استراتيجيّة التخلّص منه، أي من الرئيس الأسد، لم تكن وليدة اللحظة، وإنّما رُتّب لها على مهلٍ، وطُبختْ طبختُها على نارٍ هادئة جدّاً!!.. -لهذا فصّل الرئيس الأسد استراتيجيته في مواجهة العدوان تفصيلاً هادئاً وسليماً أيضاً، لكنّه لم يطلع عليها أحداً، وزّع الأدوار في حدود المهام الموكلة للبعض في خدمة هذه الاستراتيجيّة، وبقي كلّ من أصحاب هذه الأدوار غير مطّلع على باقي أدوار الآخرين، لذلك كانت هذه الاستراتيجية غير واضحة، حتّى لكلّ من كان له دورٌ فيها!!!.. -هنا يكمن سرّ الانتصار الأوّل للرئيس الأسد، وهو أن أحداً لم يكن يدري بكامل تفاصيل استراتيجية المواجهة، وبالتالي باستراتيجية هزيمة العدوان وإسقاطه، التي أعدّها جيّداً!!.. -كان يدرك الرئيس الأسد أنّ العدوان عليه سوف يكون على مراحل متتالية، ومتطوّرة أو متحوّلة، لذلك أعدّ لكلّ مرحلةٍ منها مرحلةً تناسبها جيّداً، وهو سرّ آخر من الأسرار التي لم تفهمها أطراف العدوان، ولا حتّى بعض الذين وقفوا إلى جانبه، أو كانوا أصحاب أدوار في استراتيجية المواجهة التي وضعها!!... - في المرحلة الأولى واجه موجة التظاهر، وهي الموجة التي نجح في تعريتها، ثم فضحها، باعتبار أنّها لم تكن تظاهرات مطالب، باعتبار أنّه استجاب لكلّ المطالب التي جاءت على ألسنة المتظاهرين، في حين أنّ الجسم المتظاهر، لم يعبّر عن ذاته في التقاط ما حقّق من انتصارات!!.. -نعم.. لقد نجح الجسم المتظاهر في إيصال مطالبه كافة، ونجح ظاهريّاً في إلزام الرئيس الأسد فيها، وهو ما اعتبره الرئيس الأسد انجازاً للنظام السياسيّ ذاته، وانجازاً أكبر للدولة ومؤسساتها، من خلال جملة تشريعات وقرارات هامة جدّاً، كُلّلت بدستور جديد للبلاد.. -لقد استطاع الرئيس الأسد فضح وتعرية مرحلة التظاهر، خاصة وأنّ هذه المرحلة لم تفرز حاملاً سياسيّاً لها، عبّر عن ذاته موضوعيّاً، في ظلّ انجازٍ حقيقيّ قام به الرئيس الأسد، استجابة لمطالب المتظاهرين.. -نعم.. لقد اعتبر الرئيس الأسد أنّ مطالب المتظاهرين حقيقيّة وموضوعيّة، فتعامل معها باعتبارها مطالب وطنيّة، بعيداً عن كونها واجهة عدوان على الدولة والمجتمع، وهو السرّ الآخر لفرداة استراتيجيّة الرئيس الأسد، في إسقاط العدوان عليه، وفضح مقولة "الثورة" عليه.. -كما أنّ الرئيس الأسد ثبّت واحدة هامة في مشهديّة العدوان عليه، وذلك حين تعامل مع الجسم المتظاهر، على أنّه جسمٌ موضوعيّ طبيعيّ، حمل مطالب وطنيّة محقّة، سياسيّة وغير سياسيّة، وهذه واحدة لم يستطع المراقبون والمتابعون والمعنيون بالأمر الانتباه لها!!.. -كان يُدرك سيادته أنّ هناك مرحلة قادمة هامة، يتمّ الانتقال لها، والتحميل عليها، وهي مرحلة حمل السلاح في وجه الدولة، والتي أعدّ لها أعداؤه اعداداً مدروساً، وذلك حين تذرّعوا بأنّ الدولة رفعت السلاح في وجه المتظاهرين، وهي ذريعة ناقصة أسقطها الرئيس الأسد، حين استجاب لجميع مطالب المتظاهرين، بمعنى أنّ من يريد رفع السلاح في وجه المتظاهرين عليه ألا يستجيب لمطالبهم أصلاً.. -رُفع السلاح في وجه الدولة، بكلّ مؤسساتها، وكان جاهزاً من يعمل على شرعنة هذه المرحلة، باعتبارها لحظة عنف الثورة وغضبها، أو اللحظة العنيفة للثورة، والغريب أنّ هذه المرحلة لعنف الثورة لم تقتصر على "ثوّار سوريين"، حيث دخلت على خطّ هذه المرحلة جميع أوساخ الأرض!!!.. -ما كان بالامكان فضح هذه المرحلة ثم هزيمة أدواتها، إلا من خلال تظهير هذه الأدوات أولاً، ثمّ العمل على هزيمتها، ومرحلة تظهيرها يعني بالضبط أن يُترك لهذا "النموذج" أن يعبّر عن ذاته، وفعلاً لقد نجح الرئيس الأسد في ترك هذا "النموذج" كي يعبّر عن نفسه، فكانت "داعش" و"جبهة النصرة" وعشرات الفصائل والمجموعات التي لم تكن إلا مجاميع فوضى، لا تبتعد كثيراً عن "القاعدة" وملحقاتها!!.. -كان يدرك الرئيس الأسد أنّ هزيمته لهذه المجموعات التي نجح في تظهيرها سوف يمنح أطراف العدوان فرصة الانتقال إلى مرحلة جديدة، وهي المرحلة التي تتدخّل فيها أطراف العدوان بجسدها وبشكل مباشر، بذريعة أنّ الأسد يقتل شعبه!!.. -في لحظة الاشتباك مع أداة الفوضى التي منحها إمكانية التعبير عن ذاتها، باعتبارها "النموذج" البديل عن الدولة، كان الرئيس الأسد مطمئناً لهزيمتها، وواثقاً من هذه الهزيمة، لكنّه كان يدرك أن أطراف العدوان تعدّ العدّة لخطة بديلة، تدخل الحرب فيها، بدلا عن أداة الفوضى ذاتها، وذلك حين يهزمها الرئيس الأسد، ويُسقط مشروع مشغليها!!.. -أدرك الرئيس الأسد ذلك، وسعى لإنتاج تحالفاته الآمنة، تلك التحالفات التي تضمن له عدم الانفراد به، من قبل أطراف العدوان، التي كانت تعدّ العدّة لذلك، وهي ترى هزيمة أدواتها أمام أعينها.. -كان الرئيس الأسد موضوعيّاً وواقعياً، حين فهم جيّداً أنّه غير قادرٍ على هزيمة العالم وحيداً، خاصة وأنّ دروساً ما زالت شاهدة على ذلك، في "العراق" وغيره.. -نعم.. لقد كان قادراً الرئيس الأسد على هزيمة الجسم المسلح الذي وقف في وجهه، مشكّلاً أداة فوضى لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، لكنّه غير قادرٍ على هزيمة أطراف العدوان، فيما لو تدخلت هي بنفسها سعياً لإسقاط نظام حكمه، وبالتالي استباحة بلاده!!.. -لم يكن أمامه إلا أن يستثمر في اللحظة التي كان يعمل فيها على تظهير "النموذج"، من خلال بناء تحالفاته المشروعة والسابقة لأي احتمال بتطوير العدوان عليه، فأفسح المجال لدخول "حزب الله"، الذي منحه السور الضامن الأوّل لمنع "الاسرائيليّ" من تطوير شكل اشتباكه معه، نعني الرئيس الأسد، والانقضاض عليه، وهو يواجه أداة الفوضى على كامل جغرافيا الوطن السوريّ!!.. -ثم عمل الرئيس الأسد على تأمين السور الضامن الثاني، من خلال تيسير حضور "الايرانيّ"، والذي حال دون احتمال أن يطوّر "التركيّ" شكل اشتباكه، والدخول بجسمه على مشهد الاشتباك القائم، وهو أمر كان هاماً في تقييد "التركيّ" وإرباكه تماماً!!.. -أما السور الضامن الثالث والهام جدّاً، فقد كان بتعبيد الطريق أمام "الروسيّ" للوصول إلى دمشق، وهو حضورٌ كان الأهم في مشهد المواجهة، باعتبار أنّ وجود "الروسيّ" فوق التراب السوريّ، سوف يحول دون تطوير "الأمريكيّ" لشكل اشتباكه مع الرئيس الأسد، وانتقاله إلى مرحلة كان يعدّ لها جيّداً!!.. -بهذا المعنى يمكننا القول، بأنّ الرئيس الأسد نجح في إسقاط العدوان عليه، وعلى بلاده، من خلال مراحل ثلاث: -مرحلة التظاهر من خلال استيعاب المتظاهرين بالاستجابة لمطالبهم والبناء عليها، حيث نجح الرئيس الأسد إظهار غياب الحامل السياسيّ الموضوعيّ لهذه المطالب، من قبل معارضة حقيقيّة تبني على ما أُنجٍزَ من مطالب المتظاهرين.. -مرحلة استعمال السلاح في وجه الدولة، حيث عمل الرئيس الأسد على تظهير "النموذج" وفضحه، ثم العمل على القضاء عليه.. -مرحلة تطوير شكل الاشتباك، من خلال دخول أطراف العدوان على خطّ المواجهة بكامل ثقلها، وبجسدها المباشر، وهو ما منعه الرئيس الأسد واسقطه، بفضل الأسوار الثلاثة التي أمّن بها على بلاده، وذلك بفضل حضور "حزب الله" ثم حضور "الايرانيّ" ثم حضور "الروسيّ".. -هكذا هزم الأسد جحافل الغزاة والطامعين، وأوقفهم على "رِجْلْ واحدة"، لسنوات طوال، ولمّا يزل، وحمى بلاده من أن تتحوّل إلى بيدقٍ أو ملحقٍ أو تابعٍ لقوى الهيمنة والغطرسة الكونيّة!!!..

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://znobia.com/?page=show_det&category_id=13&id=24750