وجهات نظر

هزائم «السلطان» وزيارة موسكو

وكالة اوقات الشام


على حين غرة تم الإعلان في كل من أنقرة وموسكو، يوم الجمعة الماضي، أن رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان سيقوم بزيارة إلى روسيا غداً الثلاثاء يجري خلالها محادثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، تسبق جولة جديدة من محادثات أستانا، وقمة ثلاثية لرؤساء الدول الضامنة لهذا المسار روسيا وإيران وتركيا مقررتين الشهر المقبل. الإعلان عن الزيارة بشكل مفاجئ، بعد ساعات قليلة من محادثة هاتفية بين بوتين وأردوغان ركزت بحسب الكرملين على الوضع في إدلب، والملفات المتعلقة بالتسوية السورية، والجهود المبذولة في إطار «مسار أستانا» لإطلاق عمل اللجنة الدستورية السورية، يطرح العديد من الأسئلة حول أسبابها وتوقيتها. بات من المؤكد، أن التطورات المتسارعة لمسار العمليات العسكرية في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي التي تسير لصالح الجيش العربي السوري وحليفه الروسي، أحدثت خلافات بين موسكو حليفة دمشق وأنقرة الداعمة للتنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة في المنطقة، خلافات عكستها تصريحات علنية لمسؤولين روس وأتراك. تصريح وزير الخارجية الروسي الأسبوع الماضي الذي أوضح فيه، أن «الجيش التركي أنشأ عدداً من نقاط المراقبة في إدلب وكانت هناك آمال معقودة على أن وجود العسكريين الأتراك هناك سيحول دون شن الإرهابيين هجمات، لكن ذلك لم يحدث»، يدل بوضوح على أن صبر موسكو قد نفد من كذب وتسويف ومماطلة النظام التركي في تنفيذ التزاماته المتعلقة باتفاق «سوتشي» الخاص بإدلب، والمبروم منذ أيلول 2018، وأن تحرير المنطقة لا يمكن أن يتم إلا بالحديد والنار الذي كانت باكورته استعادة مدن وبلدات قرى ريف حماة الشمالي ومدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، وأثلج صدر الحليف الروسي بترحيبه بـ«النصر» في خان شيخون، واعتباره «تطوراً مهماً في تقويض الوجود الإرهابي في المنطقة». الخلاف بين الجانبين بشأن العملية العسكرية ضد الإرهابيين في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، بدا أكثر من واضح في البيانات التي صدرت في موسكو وأنقرة حول مضمون المحادثة الهاتفية بين بوتين وأردوغان، إذ أشار الكرملين إلى أنها تناولت آليات تعزيز العمل المشترك في مكافحة الإرهاب في سورية، والتسوية السورية، والتعاون في إرساء الاستقرار في منطقة خفض التصعيد بمحافظة إدلب، على حين ذكرت أنقرة أن أردوغان أبلغ بوتين بأن تحركات الجيش العربي السوري في جنوب منطقة خفض التصعيد في إدلب «تضر بمساعي الحل السياسي في سورية، وتشكل تهديداً للأمن القومي التركي» على حد زعمه، لتعلن بعد ساعات قليلة الرئاسة التركية أن أردوغان سيزور روسيا في 27 آب الجاري للقاء بوتين، فيما يبدو أنها محاولة لحل خلافات عميقة بين الجانبين بشأن إدلب وعودته مرة أخرى إلى الكذب والخداع فيما يتعلق بتنفيذ الالتزامات المترتبة عليه باتفاق «سوتشي». الأيام الأولى لاشتداد معركة استعادة السيطرة على مدن وقرى وبلدات ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، ترافقت مع إرسال نظام أردوغان تعزيزات من جيشه ومن الميليشيات الموالية له إلى المنطقة لإعاقة تقدم الجيش، ما يؤكد أن النظام التركي يعتبر الراعي والداعم الأول للإرهاب في إدلب، على أمل تنفيذ مخططاته في إقامة كيان «إخونجي» موال له في المنطقة، يعمل على تنفيذ مصالحه في مفاوضات التسوية السورية، علما أن اتفاق «سوتشي» ينص في مرحلته الأولى على إقامة منطقة «منزوعة السلاح» بعرض 20 كم في محيط منطقة خفض التصعيد تكون خالية من الإرهابيين وهو ما لم يلتزم بتنفيذه نظام أردوغان، على أن يتم في مراحل لاحقة إنهاء الوجود الإرهابي بشكل كامل في المنطقة وعودة سيطرة الدولة إليها. وفيما يبدو أنها محاولة لحفظ ماء وجهه الذي تمرغ في تراب إدلب، تأتي زيارة أردوغان إلى موسكو في وقت يحاصر الجيش العربي السوري نقطة المراقبة التركية في مدينة مورك بريف حماة الشمالي وتأكيده مع الحليف الروسي أن العملية ستتواصل لتحقيق مزيد من الانتصارات في إدلب وتخليصها من الإرهاب، ما يعني أن الدور سيأتي على نقاط المراقبة التركية الأخرى المنتشرة في المنطقة والتي باتت ملاذاً للإرهابيين من هجمات الجيش العربي السوري ومراكز لتمويلهم بالسلاح والذخيرة، خصوصا بعد إخفاق محادثات عسكرية بين الجانبين بشأن مصير نقطة المراقبة في مورك. يؤكد عمق هوة الخلافات بين الجانبين، ما نشرته صحيفة «فوينويه أبوزرينيه» الروسية قبل أيام قليلة حيث شنت هجوماً عنيفاً ضد تركيا، وقالت في مقال لها: إن الجيش العربي السوري «يستكمل بدعم من سلاحي الطيران والمدفعية الروسيين، عملية تطهير الجزء الشمالي من محافظة حماة وجنوبي محافظة إدلب، على حين ظهرت أسئلة كثيرة حول تحركات تركيا التي تتعارض مع مواقف موسكو»، لافتة إلى أن وسائل إعلام روسية مهمة أبرزت عناوين منها «نهاية الصداقة مع تركيا قد أزفت» و«تركيا تعمل ضد مصالح روسيا في سورية». قيصر الكرملين سيستمع إلى أردوغان، لكنه سيذكّر ضيفه بخطوط روسيا الحمراء التي طالما شددت عليها والمتعلقة بالحفاظ على وحدة وسيادة وسلامة الأراضي السورية غير القابلة للتجزئة، بوتين سياسي بارع سيؤكد أن لا مجال للعودة إلى الوراء، وأن موسكو ودمشق ماضيتان في تطهير إدلب من الإرهاب وإعادتها إلى سيطرة الدولة السورية، وسيشدد لـ«السلطان» العثماني الجديد الغارق في وحل أزمته الداخلية على أنه لا مجال البتة لإقامة كيان «اخوانجي إرهابي» في إدلب، وأن استعادة الشرعية تتم عبر الداخل التركي وليس عبر إدلب واحتلال شمال سورية.

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://znobia.com/?page=show_det&category_id=13&id=22672