شوفو سوريا

حكاية أول ثانوية زراعية في بلاد الشام


 زنوبيا خاص - رجاء حيدر

 

  في الجهة الغربية من مدينة سلمية , على طريق حماه تشاهد أشجاراً باسقة لجذورها تاريخ عميق في هذه المنطقة تقول للداخل إلى المدينة أهلا وسهلاً بك في ربوع منطقة سلمية , هنا تقع الثانوية الزراعية على مساحة تزيد عن ( 1000) دونم تبرع بها الأهالي لصالح بناء المدرسة ومرافقها الزراعية المختلفة , يحدها طريق حماه شمالاً ومزارع الميلحة والكريم جنوباً ومدينة سلمية شرقاً .

حكاية البدء :

تتقاطع المصادر التاريخية لمناسبة بناء المدرسة وتاريخها , فجميع هذه المصادر تقول أن الغاية من بناء المدرسة كانت تعليمية , وتنفيذاً لأمر من متصرف حماه أيام الحكم العثماني " ناظم بك" حيث أوقف في عام " 1908 " جباية كبيرة من أموال السكان والتي قدرها العلامة " أحمد وصفي زكريا" بـ ( 10 ) آلاف ليرة ذهبية والتي اتفق ناظم بك مع وجهاء المدينة على وضعها تحت التصرف لإنشاء المدرسة الزراعية .

 

وهناك رأي يقول أن بناء المدرسة بدأ قبل هذا الموعد بعدة سنوات أي حوالي " 1896 وتم إعدادها للتدريس في عام 1908 وأرشيف المدرسة يقول أن التدريس فيها بدأ عام 1909 .

 

بناء المدرسة :

من المدخل الرئيسي الذي أعيد بناؤه في عام " 2001" والى اليسار من الباب هناك غرفة حراسة , ثم ممر طويل يصل إلى البناء القديم يبلغ حوالي ( 300 ) م يظلله أشجار باسقة على جانبيه وعلى يسار الممر يوجد بناء حديث في المدرسة والذي استكمل بناؤه عام ( 1972- 1973 ) وملعب لكرة السلة وآخر لكرة الطائرة , وعلى اليمين توجد حقول تجريبية محاطة بالأشجار الصنوبرية العالية وتصل بينها طرق ترابية .

عند الوصول إلى آخر المدخل تجد بناء يتألف من مجمعين كبيرين متناظرين ومتقابلين بمسافة بينهما تصل إلى عشرة أمتار , ويتألف كل منهما من طابقين كل طابق يحوي ثمانية غرف كل أربعة متقابلة بينهما ممر عريض باتساع غرفة .

يخصص الطابق الأرضي للإداريين ومكتبة تحوي خزائن خشبية تضم كثيراً من الكتب , أما الطابق العلوي الغربي فمخصص لاستقبال الضيوف والمدرسين القادمين من محافظات القطر للمشاركة في عملية تصحيح أوراق الشهادة الثانوية الزراعية , وتوجد حديقة خلف البنائين تفصل بين البناء الشمالي والجنوبي يحيط بها شارع عريض.

في الجهة الشرقية بناء يضم ثلاثة مخابر هي: مخبر للإنتاج النباتي ومخبر للإنتاج الحيواني ومخبر للصناعات الغذائية و وتحوي هذه المخابر تشكيلة واسعة من وسائل الإيضاح والأدوات المخبرية المساعدة من زجاجية ومعدنية إلى جانب الأجهزة العصرية مثل المجهر والفانوس السحري والأبيسكوب والتلفزيون والكمبيوتر والطابعة الحديثة , كما توجد لوحات  إيضاحية قديمة لنباتات طبيعية متنوعة بعضها يحمل تاريخ علم ( 1898م وبعضها يعود لعام 1902 .

والى الشرق من المجمع أقيم إسطبل للأبقار وحظيرة للدواجن تتسع لـ ( 3000 ) طير فروج . كما توجد بالقرب منها بركة مياه لطير الإوز والبط , ويوجد برج للحمام وحظيرة للطاووس وللدجاج الفرعوني والدجاج الرومي , كما توجد حظيرة لتربية الأرانب , وبين هذه الحظائر حفرة واسعة لجمع روث الحيوانات مع النفايات العضوية لتتخمر وتتحول إلى سماد عضوي.

والى الشمال الشرقي أيضاً يوجد عنبر كبير من التوتياء يستعمل كمكان للحدادة وصيانة الآلات الزراعية , والى جانبه مرآب للسيارات وفي الأربعينيات كان في المدرسة غرفة خاصة لتربية دودة الحرير – القز – والتي كانت تتغذى على التوت .

أما الجهة الغربية فتضم المسرح الذي أصبح صالة للمطالعة أو الاجتماعات والمحاضرات وخلفه من الجهة الغربية مساحة  مفروشة بالإسفلت فيها فيلا جميلة بين الأشجار وبالقرب منها خزان ماء ويوجد مطعم ومطبخاً مع المرافق العامة .

كانت المدرسة محاطة بأشجار ونباتات سياحية مثل الزيزفون والديس( العنب البري ) ثم أقيم مكانها أسلاك شائكة وسور من الحجر الأبيض . ولكثافة أشجارها في السابق وكثرة مائها كانت المدرسة محطة لكثير من الطيور المهاجرة التي انتهت بتأثير الجفاف وفقدان النباتات .

نشاط المدرسة :

اسمها الثانوية الزراعية الفنية في سلمية ويذكر أرشيف المدرسة أن التدريس فيها بدأ عام ( 1327هـ - 1909 م ) أي في العهد العثماني , حيث توافد الطلاب إليها من مختلف المناطق الشامية وكان يعتمد التعليم فيها على السكن الداخلي حيث يقيم الطلاب أشهر الدراسة ويذهبون إلى ذويهم في فصل الصيف , وقد الغى النظام الداخلي فيها عام 1993 ويستثنى من ذلك الطلاب الغرباء , ويقدم نظام التعليم بالمدرسة الطرق العلمية المتوفرة في العمل والإنتاج الزراعي , والتدريب على الأساليب الحديثة في تربية الطيور بأنواعها وكان لتربية النحل دور فعال أيضاً كما أن تربية  وإنتاج دودة الحرير – القز – بقيت ناشطة فيها حتى أواخر الأربعينيات حتى بدأ شجر التوت يندثر بتأثير الجفاف , بالإضافة إلى النشاطات الحقلية لزراعة الخضار والفاكهة والحبوب.

حتى أن المدرسة صارت تستقبل طلاب من خارج سوريا للدراسة فيها مثل مصر واليمن والسودان وموريتانيا وتشاد والسنغال والصومال وجزر القمر وغيرها وكثير منهم وصل إلى مواقع إدارية مرموقة في بلادهم .

وكان العلاّمة  " وصفي زكريا " وهو مهندس زراعي وله كثير من المؤلفات التاريخية التوثيقية مثل " عشائر الشام " و" جولة في بعض البلاد الشامية " أول مدير عمل في المدرسة عام (  1918 – 1923 ) وكان يشارك في تأليف الكتب ووضع البرامج الدراسية للطلاب , وقد مرّت المدرسة بمراحل صعبة من خلال حياتها التعليمية كما ذكر وصفي زكريا ففي الحرب العالمية الأولى أصيبت المدرسة بحريق أوقفها عن التدريس ثم عادت المدرسة إلى نشاطها بعد الحرب , كما أغلقت عام ( 1933) دون معرفة الأسباب والراجح أن الظروف السياسية ضد الاستعمار الفرنسي كانت السبب .

تتبع المدرسة الزراعية في الوقت الحاضر إلى وزارة الزراعة – مديرية التدريب والتأهيل – وقد شجعت تجربة المدرسة في سلمية على إنشاء العديد من المدارس الزراعية في القطر ولم تنحصر أهميتها التعليمية في نطاق القطر العربي السوري بما خرجته من طلبة  بل تعداه إلى الكثير من المناطق في الوطن العربي وتحتفظ المدرسة بلوحات لبعض أسماء درسوا وتخرجوا منها من أقطار الوطن العربي فمثلا ( مجدي عبد القادر الشوى من غزة , وعبد الله عبد الرحيم الناشف من طولكرم وأحمد صالح الشبل من عكا وفؤاد محمد شما من صفد وجحا اسحق الشهابي من القدس وصادق عارف شبلي من طرابلس الشام ومحمد رشاد يوسف الزين من صيدا وغيرهم , وعلى الصعيد الداخلي كان للشخصيات المعروفة التي درست فيها اثر فعال في إشهار المدرسة فلوحة الشرف الموضوعة في المدرسة تفيد أن الرئيس السوري الراحل  " أديب الشيشكلي " تخرج منها في أربعينيات القرن المنصرم والأديب الكبير محمد الماغوط والكاتب السوري أحمد الجندي المعروف بكتاباته الساخرة والوزير الأسبق أحمد قبلان والنائب إبراهيم عباس والدكتور أحمد مرعي وهو باحث أكاديمي وعلمي معروف وغيرهم .

وكانت الدراسة تقتصر فيها على الذكور فقط ورغبة من وزارة التربية في تشجيع التعليم المهني للإناث أفسحت المجال أمام الإناث للانتساب إلى المدرسة الزراعية وكانت أول دورة في سلمية عام ( 1984- 1985 ) .

و تحضر الثانوية الزراعية مع الجهات المعنية في سوريا للاحتفال بالذكرى المئوية الأولى للمدرسة وسيتم الاحتفال على مدى ثلاثة أيام خلال شهر تموز المقبل يقدم فيها فعاليات تليق بتاريخ المدرسة وعراقتها ويشاع أيضا أن المدرسة ستتحول إلى كلية للهندسة الزراعية لكن على ما يبدو أن هناك جهات لا ترغب بصدور مثل هذا القرار الذي يدرس منذ زمن بعيد ولغاية في نفس يعقوب .

 

مصادر :

(1) الفلك الدوار : في سماء الأئمة الأطهار – عبد الله المرتضى – المطبعة المارونية 1933م .

(2) سلمية في خمسين قرناً للباحث محمود أمين – سلمية 1983 (ص 314-315)

(3) رحلة أثرية – للمهندس وصفي زكريا ص 283 .

دراسة أعدها الأستاذ باكير محمود باكير . اعتمد فيها على :

العلاّمة وصفي زكريا وما حققه عن ياقوت الحموي وأبي الفداء .

من تاريخ الدولة الفاطمية – حسن إبراهيم حسن .

ما قدّمه السيد أمين سر المدرسة من معلومات .

من مشاهدات على الواقع .

من إطروحة ماجستير لطالب مصري عن القرامطة .

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://znobia.com/?page=show_det&category_id=10&id=21765