دراسات

هل سيقبل الأسد بـ توبة العرب


محمود عبد اللطيف
في السعودية فتاوى بتكفير داعش من مفتي المملكة، وهو سليل بن عبد الوهاب مؤسس الوهابية، وداعش هو التنظيم الذي يتخذ من ذات العقيدة التي يعتنقها آل سعود منهجاً لـ تكفير الآخر وقتله لـتأسيس دولة "إسلامية"، والتاريخ يقول أن السعودية نشأت بذات المنهجية.
- في قطر منهج مغاير لكل دول الخليج، ودعم بالمال و الإعلام و الفتاوى للإخوان المسلمين في العالم العربي، و لكل الميليشيات التي تقاتل في سوريا.
- في الأردن، تخوف ملكي من تمدد داعش إلى داخله، وتورط بمعسكرات تدريب لميليشيات تقاتل في الداخل السوري، و الملك يسعى لـ إعادة الثبات لـ عرش أسرته بفرض سطوته المباشرة على المؤسسة العسكرية و المخابرات، وهي المتفقة مع دول الخليج على ضرورة ضرب داعش.
- في مصر، فوضى سياسية بدأت تترتب، وعلاقة قوية من قبل عبد الفتاح السيسي مع السعودية، و إنفتاح على العلاقات مع روسيا لـتحقيق نمو اقتصادي في البلاد، وصفقات سلاح من قبيل S-300، و من موسكو عاد السيسي متفقاً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ملفات سوريا و العراق و ليبيا.
هذه المقدمات التي سبقت الدعوة السعودية للإجتماع الخماسي في جدة للتباحث حول الملف السوري، دون وجود للتركيا، أو ممثل عن الجامعة العربية أو أي سفير غربي، فهل ترك الخليجييون لمصيرهم من الأزمة السورية بعد اتفق العالم على ضرورة القضاء على داعش و إن من خلال التحالف مع دمشق، و من ثم ما الذي أخر العالم إلى هذا التوقيت لكي يتنبى الرؤية السورية لـ التنظيم الإرهابي، فتوجه الإعلام الغربي إلى خلق الانطباع اللازم لـ هذا الإنقلاب من خلال تصريحات مسؤولين سابقين من قبيل كرستفور ماير السفير البريطاني السابق في أمريكا، إضافة إلى تمثيلة ذبح الصحفي الأمريكي و وضع بريطاني من أصل مصري ليظهر دموية التنظيم، وبالتالي فإن المجتمع الأوروبي سيصل إلى مرحلة الهلع من عودة هؤلاء، وبناءاً على ذلك سيعطي حكوماته كل التفويض اللازم لـ محاربة التنظيم أينما وجد، ومحالفة أي حكومة كانت، فما بالك بحكومة تمتلك كل مفاتيح قتال التنظيم من خلال تجربة تمتد على مدار ثلاث سنوات مضت من القتال ضده، وضد بقية الميليشيات في سوريا.
ثم إن تخلي السعودية و الإمارات عن الخلافات مع قطر، يفرض أن ثمة مواقف الدول الخمس ستتغير على مستوى كبير، فالسعودية التي مهدت لـ إنقلاب موقفها من الملف السوري بفتوى ضد داعش من قبل رأس هرم السلطة الدينية الذي سيخلق الانطباع اللازم لـحفظ ماء وجه الملك في إنقلابه على كل ما قال، و هنا مرة أخرى ستعود السعودية صاغرة إلى دمشق، بعدما سآت العلاقة بين البلدين على إثر إغتيال رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، فالتخلص من تهديد يمس أمن العرش مباشرة، هو الأمر الذي يشغل بال الملك الكهل، فآخر ما يتمناه أن ينتهي حكم آل سعود وتنفى المملكة في صورتها الحالية خلال حياته.
و بالنظر إلى السبب القطري، فالمسألة لا تتعلق إلا بمخاوف من نصر فلسطيني، وذلك بناءاً على الموقف الذي عكسه أمير قطر تميم بن حمد خلال زيارته الأخيرة للملكة، حين نبه الملك السعودي إلى وجود سوريا و إيران في غزة، و بأن التوجه إلى غزة ضرورة قصوى حالياً، فإنفراد الرئيس الأسد الذي تغاضى عن خيانة بعض الحمساويين لسوريا، و أبقى على العلاقة مع المقاومة، و حينها قال الأمير القطري لأبن سعود، إن من الضروري الانتصار لغزة حتى لو أضطرت حكومتي قطر و السعودية أن تتعاون مع سوريا، و إيران، وهذا حق أريد به باطل.
من الثابت أن لـ قطر علاقات واسعة و قديمة مع إسرائيل ورثها الأمير تميم عن أبيه الأمير السابق لقطر ، وبالتالي إن البحث عن علاقة جديدة مع دمشق من بوابة القضاء على داعش لا تخرج عن أمر أمريكي أو إسرائيلي مباشر تحاول الإمارة تنفيذه، ليكون أول الشروط المطروحة على دمشق، و ربما لا غيره، أن يقطع الرئيس الأسد المدد عن غزة، مقابل أن تقطع دول الخليج عن داعش و أخواتها.
لكن من الثابت أيضاً أن الخليج لم يعد مؤثراً على داعش، و يمكننا القول أن التأثير مباشرة لـ أمريكا دون غيرها، فهي المنشأة و الموجهة، وما تمثيلة ضرب داعش  في العراق إلا لـ إعادته إلى سوريا لـزيادة الضغط على الدولة السورية بما يضعفها في خطوات متتالية لتمزيق الجسد السوري، ودمشق تدرك ذلك جيداً.
و من الثابت أيضاً، أن لـ سوريا مواقفها المبدئية من أي مقاومة في العالم، فما بالك بمقاومة فلسطين، حيث البوصلة في دمشق تشير إلى القدس الشريف، وعليه ماذا سيقدم الخليجيون لـ دمشق، التي تحارب التنظيم الإرهابي وغيره من التنظيمات.
ثم، إن كان الخليج صادقاً في مبتغاه ويبحث عن حل للأزمة السورية فعلى أي أساس سيكون هذا التقارب إن كانوا يدركون أن المقاومة خط أحمر بالنسبة لـ دمشق، وغير قابل للنقاش، خصوصاً و إن الأزمة السورية برمتها ما كانت لتكون لو تخلى الأسد عن المقاومة الفلسطينية و اللبنانية، وما كانت لتكون لو إنه قبل بـ تصفية الصراع مع إسرائيل مقابل توطين الفلسطينيين و تذوبيب إنتمائهم و التخلي عن كل الأسس التي قامت عليها دمشق، وما كانت لتكون لو تخلى الأسد عن حلفائه الأساسيين من قبيل روسيا و الصين و إيران.
في الموقف الإماراتي نقرأ إرهاق للخزينة الإماراتية بما صرف على الميليشيات المقاتلة في سوريا دون جدوى، الدولة التي انصب اهتمامها خلال عقود على تنمية إقتصادية وصلت مصافي العالمية، ورطت نفسها بعلاقة سيئة مع دمشق بقرار خليجي، ووعود باستثمارات كبيرة في سوريا ما بعد النظام، لكن ذهاب آل نهيان إلى التوصل إلى حل للأزمة السورية يأتي من باب التخلص من الأرقام الكبيرة التي كان من المفترض أن تغطي تكاليف التنمية المستمرة للدولة بما يرضي المواطن الإماراتي عن آدائهم ، ويبقيهم على رأس الإمارات السبع المختلفة الإنتماء القبلي.
و على هذا فإن آل نهيان لا يهتمون بواقع الموقف السياسي الخليجي أو العالمي من أياً الأزمات العربية ويدلل على ذلك تمويلهم الصامت لكل من الأزمات السورية و الليبية، ما هو إلا أتاوة يدفعونها لبقائهم في السلطة، وعلى هذا فـ دورهم سيحصر في التمويل لأي مشروع سينتج عن هذا الاجتماع

ثم ماذا طرح المصريون في الاجتماع..؟
سؤال قيد يجيب عليه النظر السريع إلى المحيط المصري الملتهب شرقاً في ليبيا، و غرباً في القطاع الفلسطيني فهل أثرت إسرائيل على الموقف المصري،أم إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعث رسائل إلى الخليجيين من موسكو، وما هو الأسلوب الذي يمكن أن يلعب من خلاله السيسي دوراً في الملفات العربية القادمة، و علاقته مع قطر متوترة حد القطيعة ومع السعودية وثيقة حد الإمتنان الكامل نتيجة الدعم المطلق له للوصول إلى قصر الإتحادية.
في الموقف المصري احتمالين لا ثالث لهما، الأول أن يكون السيسي محرك من قبل الإسرائيليين للبحث عن تقارب مع دمشق لأن ما يجري في غزة أساسه في دمشق، و السلاح الذي بيد المقاومة يصل إليها بعد لعبة مخابراتية تلعبها كل من سوريا و إيران في المنطقة بسرية مدهشة، عجزت إسرائيل و العالم عن تخيل أحد سيناريوهاتها، فإن كان الحديث عن تصنيع الأسلحة الفلسطينية يتم محلياً، فمن أين أتت المواد الأولية و القطاع محاصر بشكل كامل، هذا إن يتطرق البحث في تفاصيل بقية الأسلحة المصنعة أو المعدلة في سوريا من قبيل صاروخ كورنيت، و مالوتكا، وكيف وصلت تقنية الصواريخ التي كشفت مصارد فلسطينية في وقت سابق عن إنها تقنية عسكرية سورية.
في الإحتمال الثاني أن يكون الرئيس المصري قد بعث مندوبي حكومته إلى الاجتماع حاملين معهم رسائل من موسكو حول ضرورة التنسيق مع سوريا لـ إنهاء الخلاف وفق وجهة نظر دمشق، ليكون ثمة تعاون عربي للقضاء على داعش وغيرها من الفصائل الإرهابية لـ إعادة الإستقرار إلى المنطقة العربية قبيل امتداد النار إلى الدول الخليجية التي لن تقوى على حماية نفسها من خطر داعش، خصوصاً السعودية التي تمتلك حاضنة شعبية لـ داعش يمكن أن تقلب الطاولة على آل سعود.
في المحصلة، فالمواقف الدولية المتتالية و التي تعكس الرغبة بمحاربة داعش، هي حمالة أوجه، فإما أن تكون مواقف استعراضية لـ يصار إلى أن سوريا هي من رفضت التعاون مع المجتمع الدولي، وعلى أساسه فعليها تحمل تبعيات تمدد داعش في أراضيها، و هنا لابد من الإشارة إلى أن تمويل التنظيم مستمر حتى اللحظة هذه من قبل أوروبا و أمريكا من خلال الاستمرار التركي بشراء النفط المسروق من سوريا و العراق وبيعه للغرب برغم القرار الأممي الذي جرّم داعش و المتعاملين معه.
أو إن الرغبة الحقيقية من هذه المواقف هي تدمير التنظيم، من أجل حماية دولهم من ارتداد الجهاديين الذي يتلقون ضربات قوية في سوريا خصوصاً في الغوطة الشرقية و القلمون، وبرغم تمدد التنظيم في مناطق الرقة و شمال سوريا المحاذي لتركيا الداعم المباشر للتنظيم، إلا أن الطيران الحربي السوري يضرب بدقة مقرات التنظيم في هذه المناطق.
كما إن دمشق، باتت تمتلك بعد أكثر من ثلاث سنوات من قتال الميليشيات المسلحة الموجودة في سوريا الخبرة الكافية للتعامل مع حرب قذرة كهذه، و بوجود تعاون وثيق قدر الرئيس السوري بشار الأسد على خلقه مع روسيا و الصين و إيران، لا يمكن أن تهزم الدولة السورية بسهولة، وبالتالي فإن البحث عن تحالف مع الرئيس الأسد، ومن خلفه دمشق، ماهو إلا خطوة على طريق إعادة الهدوء إلى المنطقة التي اشتعلت أكثر من اللازم، و امتداد نيرانها إلى دول العالم، باتت قريبة، وعلى هذا الأساس سيهرول الخليج لخلق مخرج من سوء العلاقة مع دمشق، قد يكون أولها قرار قريب بعودة دمشق إلى جامعة الدول العربية ورفع العقوبات العربية عن الشعب السوري، و لربما سيكون للجامعة العربية دور في مسرحية تغيير المواقف الدولية بحسب ما فعلته في تأزيم الوضع السوري، فالمسرحية التي الهزلية التي ستلعب أدوارها الدول العربية في حال اتفقوا على تغيير مواقفهم تحت حجة محاربة داعش.
دمشق، و الرئيس الأسد تحديداً أكد في أكثر من مناسبة أن دول عدة ومن بينها عربية كانت وما زالت تحاول الإياب إلى دمشق، وهذا حدث قبل أن يتمدد خطر داعش، ولكن هل ستقبل دمشق بهذا التعاون، و إن قبلت هل ستقبل بـ تقسيم الميليشيات في سوريا إلى إرهابية و معتدلة، و هل ستقبل أصلاً بدور خليجي في حل الأزمة السورية.. الحديث عن هكذا موافقة
يحتاج حتماً لـ انتظار الشروط التي ستحاول فرضها الدول الخليجية على دمشق، ولكن التاريخ يقول أن دمشق لا تقبل الفروض، و لا تساوم على مبادئها.
عربي برس

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://znobia.com/?page=show_det&category_id=12&id=1438