دراسات

التسرب المدرسي.. وبـــاء خطـــر يحـــرم أطفــالنــا نعمـــة العلـــم والتقـــدم

تشرين


في كل مكان ينتشرون، على إشارات المرور، وأمام المحلات.. وأنى اتجهت في الطرقات تجدهم، إنهم أطفال في عمر الورود، يعملون ليل نهار للحصول على لقمة عيشهم، وقوت أيامهم وأيام ذويهم، في ظل ظروف حولتهم فجأة ومن دون سابق إنذار إلى متسربين من المدرسة، في كل يوم تزداد المسافة بينهم وبين ركب العلم والتقدم أكثر فأكثر. هلا، حنان، إيمان، أحمد وعلي وغيرهم من الأسماء هم مجرد أرقام تنضوي تحت مسمى «ظاهرة التسرب المدرسي» التي مهما حاولنا تنميق اسمها واختلاق الأسباب والمسوغات لها، ستبقى وباء ومرضاً خطراً يفتك بأطفالنا ويضيع مستقبلهم ومستقبلنا.. فما الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة وما نتائجها.. وما الذي يجب أن تفعله المؤسسات المعنية بشكل عام والجمعيات الأهلية والتنموية بشكل خاص من أجل التصدي لهذه المشكلة القديمة المتجددة؟ مشكلة وظاهرة عامة يعد التسرب المدرسي مشكلة وظاهرة عامة، تعاني منها جميع المجتمعات تقريباً، وسورية شأنها في ذلك شأن كل تلك المجتمعات، إذ إنها كانت ورغم وجود قانون التعليم الإلزامي تشكو من ظاهرة تسرب التلاميذ بأعداد كبيرة ولاسيما الفتيات.. هذا ما بدأت به المرشدة الاجتماعية والنفسية هلا الطباع حديثها عن التسرب المدرسي، وأضافت: إذا ما تركنا الأزمة التي نمر فيها وما أدت إليه من تفاقم لهذه القضية بسبب الظروف الراهنة، وعدنا إلى الأسباب والعوامل التي تؤدي بشكل عام إلى وجود هذه الظاهرة أينما كان، فإننا نجد بحسب الدراسات والإحصاءات أن هناك عوامل ومؤثرات متعددة تلعب دوراً رئيساً في وجودها منها مثلاً المؤثرات الاجتماعية المتمثلة برفاق السوء التي تؤدي بالطالب إلى الانسحاب من المدرسة والالتفات إلى السلوكيات الأخرى كاللعب واللهو والعبث.. أيضاً هناك النظرة الاجتماعية للعلم والشهادة التي أدت إلى عزوف معظم الأسر عن تعليم أبنائهم ودفعهم نحو إتقان مهنة ما والدخول مبكراً في سوق العمل من أجل تحصيل المال وتكوين مشروع ربحي دائم. أضف إلى هذه المؤثرات الاجتماعية.. هناك العوامل التربوية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمدرسة والمدرس وهذه تتحكم بها عوامل عدة منها، علاقة الأستاذ بالطالب ومنها إشكالية العنف الذي مازال رغم القوانين والعقوبات أسلوباً مستخدماً للعقاب في المدارس.. كما يمكن أن يكون للبيئة المدرسية وتضخم المناهج واكتظاظ الطلاب داخل القاعات الصفية، الدور في تشجيع الطلاب على الفوضى والهروب من المدرسة واللجوء إلى الشارع لملء أوقات الفراغ. أسباب ومؤثرات المشكلات المادية والظروف المنزلية، قد تكون أحد أهم الأسباب التي تقف وراء تفاقم هذه الظاهرة، لكن وكما تقول الطباع: إن الأمر لم يكن ليتوقف في يوم من الأيام عند هذا الحد، فالأسباب تكثر وتتعدد مسمياتها.. ولكن ولأننا لا نستطيع ذكرها بشكل تفصيلي فإننا نذكر منها الأسباب الاقتصادية التي يلعب الفقر فيها دوراً رئيساً، حيث تستدعي حاجة الأسرة قيام الطالب بالأعمال الزراعية وغيرها من الأعمال التي تحتاج ساعات عمل طويلة وتؤثر في تكوينه الجسدي والنفسي ولاسيما في الأرياف والقرى البعيدة.. إضافة إلى ذلك، هناك انتشار ظاهرة عمالة الأطفال من تسول وغيره والتي ازدادت في أيامنا هذه وحرمت الكثيرين من أطفالنا نعمة الالتحاق بالمدرسة.. ولاننسى بالطبع مسألة الهجرة والتهجير التي كانت ولاتزال سبباً في انخفاض حضور الطلاب في المدارس حتى بين أعداد المسجلين منهم وخاصة الفتيات.. أيضاً من الأسباب الرئيسة في تفاقم التسرب المدرسي العادات والتقاليد التي تنطوي على التعصب وتحول دون إرسال الفتاة إلى المدرسة وإلزامها بعمل المنزل وتزويجها بعمر مبكر يؤدي إلى ضياع حقها في التعليم وضياعها في غياهب الأمية والتخلف الذي يؤدي إلى ارتفاع معدل الإنجاب في الأسرة والذي يعد بدوره واحداً من الأسباب وراء هذه الظاهرة.. كما يمكن أن نضيف إلى كل ذلك كثرة الخلافات الزوجية وعدم الاهتمام بالأبناء وبسلوكهم داخل وخارج المدرسة.. ولا ننسى الإشارة إلى الأسباب التي قد تكون خارجة عن إرادة الطالب وأسرته كالمشكلات الصحية والنفسية أو موت أحد الوالدين الذي يضطر الطالب لترك المدرسة وتحمل مسؤولية إخوته وإعالتهم.. هذا غيض من فيض أسباب التسرب المدرسي الذي عدته المرشدة الطباع هدراً تربوياً كبيراً وقالت إن له تأثيرات سلبية في المجتمع، إذ إنه يزيد من حجم الأمية والبطالة، ويضعف البنية الاقتصادية للمجتمع ويزيد من حجم المشكلات الاجتماعية فيه كالانحراف والجنوح والسرقة وغيرها من المشكلات التي تفسد الفرد والمجتمع معاً. دور وتحديات أما بالنسبة لدور الأسرة والمدرسة والمجتمع، وأهم الإجراءات الواجب اتخاذها حيال هذه المشكلة، فقد أكدت الطباع أن سورية لم تأل جهداً في محاربة هذه الظاهرة، فقد أصدرت قانون التعليم الإلزامي الذي فرض غرامات مالية وعقوبات قد تصل بأولياء الأمور إلى السجن في حال منعهم أطفالهم من الذهاب إلى المدرسة بعد توجيه إنذار لهم.. ولكن، وكما نقول دائماً العبرة في التطبيق فلقد كنا نعاني –والكلام للطباع- من التستر على حالات التسرب ليس فقط من قبل الأهل، وحتى من قبل بعض الإدارات المدرسية.. كما كنا نشكو من نقص وقلة أعداد اللجان التفتيشية ومن عدم توافر الإحصاءات الدقيقة التي تعبر عن حجم المشكلة وخطورتها.. ولذلك عندما نتحدث عن إجراءات فإننا يجب أن ندعو إلى تضافر جميع الجهود بدءاً من المدرسة التي يجب أن تعمل بشكل جدي وفعال في إحصاء عدد طلابها وفي عقد مجالس أولياء الأمور لمناقشة المشكلة بحضورهم.. وفي تفعيل دور المرشد الاجتماعي والنفسي القادر على التعرف إلى مشكلات الطلاب وهمومهم.. كما يجب تفعيل دور التعليم المهني والتقني الذي يعطي الطالب فرصة تعليمية إضافية ورفع مستوى التعليم العام والحد من اكتظاظ الطلاب وخلق المنافسات والأجواء التعليمية التي تحفزهم وتشجعهم على المستويين العام والخاص.. أما بالنسبة للأسرة فمن المهم إيجاد قنوات للتواصل الدائم بين المدرسة والبيت والبيئة المحيطة لما فيه مصلحة الطالب.. كما تجب توعيتها وعبر وسائل الإعلام إلى مخاطر التسرب المدرسي وعقد الندوات التي تؤكد على المساواة بين الرجل والمرأة وتعزز حق الفتاة في التعليم وتنبه إلى مخاطر الزواج المبكر.. أما الجمعيات الأهلية والتنموية فصحيح أن دورها كان في السابق بسيطاً والأسباب متعددة.. ولكن الآن وفي ظل الظروف الراهنة فإن عليها الانخراط في حل هذه المشكلة عبر التحضير للعام الدراسي والتشجيع للعودة إلى المدرسة من خلال المبادرات والحملات التي تهدف إلى توزيع المستلزمات المدرسية على كل من يحتاجها.. كما يجب عليها تشجيع العمل التطوعي الذي يساهم في إعادة وتأهيل المدارس وتزويدها بكل ما تحتاجه.. إضافة إلى ضرورة قيامها بإعداد البرامج الترفيهية والتعليمية التي تعيد الطالب إلى المدرسة.. ودعوة متطوعيها للمشاركة الفعالة في دورات محو الأمية وبرامج دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المدارس للاستفادة من قدراتهم وإمكاناتهم.

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://znobia.com/?page=show_det&category_id=12&id=1429