الزيتون أو الشجرة المباركة هي إحدى أهم الثمار التي يعتمد عليها أهل الساحل السوري في معيشتهم حيث ينتظر الفلاحون موسم قطافه بفارغ الصبر نظرا للمردود المادي الجيد الذي يؤمنه لهم . يبدأ جني المحصول عادة في الشهر العاشر من السنة حيث تكون السماء في ذلك الوقت عادة قد أغدقت غيثها مما يؤثر إيجابا على ثمرة الزيتون فيزيد من مردودها ويحسن نوعيتها ، ويبدأ الاستعداد لموسم القطاف قبل عدة أشهر من نضوج الثمرة حيث يعمد المزارعون بشكل دوري إلى تقليم الأشجار ومن ثم الاعتناء بنظافة الأرض ونزع الأعشاب الضارة والأشواك التي تقف حائلا دون التقاط الثمرة أو التي تدمي اليدين أثناء جمع المحصول ومع اقتراب موسم القطاف تبدأ حركة نشطة في القرى حيث يتحضر المزارعون للموسم ويؤمنون احتياجات العمل ويتم الاستعانة بنوعين من العصي التي تستخدم في ضرب الحب هما " الناتورة " وهي عصا قصيرة وقاسية تستخدم لضرب الحب القريب من متناول اليد و " الراط " وهي عصا طويلة ومرنة تستخدم لضرب الحب في أعالي الشجرة والذي لا تطاله الأيدي كما يستعينون بأقمشة بمساحات مختلفة يتم فرشها تحت الشجرة أثناء عملية قطف الحب بحيث يقع حب الزيتون المتطاير عليه فيسهل جمعه بعدها . قد تكون البطاط المسلوقة وبضعة حبات من البندورة هي أكثر الوجبات شعبية وأوفرها للوقت كما يحظى الأطفال الصغار الذين يرافقون أهلهم إلى الحقل بما يعرف " بالشروة " وهي عادة بحدود ثلاث كيلو من الزيتون لكل طفل حيث يعمد الأطفال إلى بيعها في الدكاكين التي تحفل بما لذ وطاب من السكاكر والحلويات التي يجد الأطفال ضالتهم بها ولا ينسى صاحب الدكان أن يأخذ " الطبشة " وهي كمية من الزيتون لا تدخل في الحساب وقد تتراوح بحسب طمع صاحب الدكان بين النصف كيلو والكيلو لكل " شروة " . كما يحظى الفقراء ببعض الثمار أثناء مرورهم على الحقول وإلقائهم التحية على أصحاب الحقل مرفقة بعبارة " ع البركة " فيعمد صاحب الحقل إلى إعطائهم ما تجود به نفسه من المحصول " للبركة والدعاء بالتوفيق " . ومن العادات المعروفة أيضا هي " العفارة " وهي أن يقوم بعض الأطفال أو النسوة وبعد انتهاء أصحاب الحقل منه بجمع ما تبقى من ثمار الزيتون على الشجرة أو المتطاير على الأرض أو ذلك الذي لم يقدر على جمعه أصحاب الحقل فالزيتون كما يقال عنه " مخيِر " أي لا يستطيع صاحب الحقل مهما اجتهد من تنظيف الشجرة من الثمار بشكل كامل فلا بد من بقاء بعض الثمار على الشجرة . بعد الإنتهاء من قطف الثمار يبدأ المزارعون بنقله إلى المعاصر التي دخلت الآلات الحديثة إليها بعد أن كانت تعتمد المعاصر على دولابين ضخمين من الحجر الصلد حيث يصر بعض المزارعين إلى أن الزيت الناجم عنه هو أطيب بكثير من ذلك الذي تنتجه الآلات الحديثة ويقتطع صاحب المعصرة أجره بكمية من الزيت متفق عليها كما يقوم صاحب المعصرة بإدارة عملية بيع وشراء الزيت داخل المعصرة بين المزارعين وتجار الزيت الذين لا يغيبون عن المعصرة . ومن طرائف ما يروى عن المعاصر القديمة ما يعرف بـ " جورة جهنم " وهي أن يقوم صاحب المعصرة بتمديد أنبوب خفي يصل بين قعر الحوض الذي يتجمع فيه الزيت وبين حفرة أخرى يكون صاحب المعصرة قد أعدها خصيصا لذلك وبالتالي سرقة جزء من الزيت خلسة عن صاحب المحصول وهنا يحصل تبادل اتهامات عديدة داخل المعصرة حيث يصر المزارع في أحيان كثيرة على أن كمية الزيت ناقصة ولا تتوافق البتة مع سمعة أرضه ومحصوله وهنا يغلظ صاحب المعصرة الأيمان أن يده لم تمتد إلى الزيت وهنا يعتمد صاحب المعصرة على التورية لان الزيت لم يسرقه بيده بل بالخرطوم !. حاليا يعاني المزارعون من مشكلة " المعاومة " أي قد ينتظر المزارعون عدة سنوات حتى يحظون بموسم جيد كما يعانون من مشاكل في تصريف الزيت ودخول الزيت النباتي كمنافس قوي لزيت الزيتون ومع ذلك يبقى زيت الزيتون سيد المائدة دون منازع ويبقى موسم قطافه من أهم المواسم التي ينتظرها المزارعون بفارغ الصبر . |
||||||||
|