محليات

عجز مائي كبير يقدر بـ/6/ مليارات م3 ومخاوف من تكرار موسم جفاف آخر

تشرين


ظهرت للسطح منذ سنوات خلت دعوات بشأن تناقص مناسيب المياه الجوفية في سورية لأسباب عدة، ورغم تلك الدعوات، لكن الإجراءات لم تكن في مستوى خطورة الدعوات وما تتركها أزمة كهذه، اشتدت مع موسم مطري قليل وشحيح ، وتالياً وبسبب موسم الجفاف الذي ساد منطقتنا وقطرنا خلال العام الماضي بدأنا نعاني شحاً في المياه، حتى في العاصمة دمشق تراجعت الكميات المنتجة، بينما في أحياء في ريف دمشق تأثرت وبشكل كبير.. ناهيك بتأثر المساحات الزراعية خلال الموسم الماضي لغياب المياه وتناقص مخازين السدود العاملة. قد يكون العام الحالي الأسوأ من ناحية الفقر المائي، ولاشك في أنه ينبئ بتوقعات ومآس لا تُحمد عقباها، ولاسيما على صعيد الزراعة وانحسار مساحات كبيرة لخروج عدد من السدود المائية من الخدمة. وزارة الموارد المائية تحاول التخفيف من شدة وآثار الأزمة، لكنها لا تخفي المخاوف والإجراءات الواجب اتخاذها والعمل عليها مباشرة لتأمين المصادر المتاحة، والمحافظة عليها لتغطية النقص الحاصل. حوض الفيجة تأثر كمعظم الأحواض المائية، حتى نبع السن في الساحل تأثر وتناقصت الكميات المنتجة، وبين الحين والآخر تؤكد جهات وزارة الري أن سورية بلد محدودة الموارد المائية، وتصنّف من المناطق الجافة وشبه الجافة، ومعدل الهطل المطري يتراوح بين 100-1500ملم، والتغيرات المناخية في الفترة الأخيرة أثّرت في معدلات الهطلات المطرية. كلام رسمي وتحتاج سورية إلى 23 مليار م3 سنوياً لتكون حصة الفرد فيها مساوية لخط الفقر المائي البالغ 1000م3 للفرد في السنة لكل الأغراض.. وتتغير حصة الفرد تبعاً للواردات المطرية، وكان وسطي الحصة خلال السنوات الخمس الماضية حوالي 825م3/سنة للفرد، كما تختلف حصة الفرد بين حوض مائي وآخر، وقد بلغ وسطي الهطل المطري السنوي محسوباً لعشرات السنين حوالي 46 مليار متر مكعب، وبعد تبخر حوالي 80% من الهطلات المطرية تتحول البقية إلى واردات مائية سنوية سطحية وجوفية، وقد بلغ معدل الهطل المطري على مستوى القطر للعام 2013-2014 حوالي 48% من وسطي الهطل المطري السنوي، ووصل المتوسط السنوي لكميات المياه المستخدمة خلال آخر 10 سنوات إلى 17760 مليون م3، أي إن العجز السنوي هو حوالي 1,5 مليار م3 سنوياً، وتتم تغطية العجز بالموازنة المائية بضخ كميات من المياه الجوفية تفوق الواردات الجوفية من مياه الأمطار (المتجدد السنوي) فقد بلغ العجز خلال السنتين الماضيتين 3,5 مليارات م3 ومن المتوقع أن يزيد العجز على ذلك هذا العام، ومن المتوقع أن يصل إلى 6 مليارات م3. وبعيداً عن الأرقام الرسمية وما تحمل من واقع لا يبشّر بأي تفاؤل، فإن الواقع الحالي هو تناقص حاد في معظم الأحواض المائية، وشحّ بالكميات المنتجة حتى بالمياه المتأتية من الآبار الجوفية، وغلاء كبير في المياه المعدنية لتراجع المناسيب، وأحياء في دمشق باتت لا تتنعم بنعمة المياه سوى ساعتين أو ثلاث ساعات في اليوم، بينما أحياء في ريف دمشق حدّث ولا حرج، فماذا كان عمل وزارة الموارد المائية، وما خطط جهاتنا إزاء أزمة تراجع مناسيب المياه وشحّها؟ إجراءات استمرت الوزارة خلال الفترة الماضية بتقديم خدمات إيصال مياه الري لشبكات الري الحكومية على المساحة المخططة لكل من الأعوام 2012- 2013- 2014 والبالغة حوالي 4,8 ملايين دونم، وعلى الرغم من كل الظروف لم يتوقف عمل مديريات التشغيل والصيانة في حوض الفرات (محافظات حلب والرقة وديرالزور) وساعد على ذلك قيام وزارة الكهرباء باستثناء محطات الضخ في الفرات من التقنين، إذ لا يمكن تشغيلها نهائياً بوساطة مجموعات توليد احتياطية. وحسب المهندسة فاديا عبد النور- مستشار السيد وزير الموارد المائية فإن الوزارة لم تتمكن من تشغيل عدد من منشآت مياه الري (محطات- مآخذ من السدود) بسبب وجود مجموعات إرهابية (درعا- القنيطرة...)، أو بسبب تخريب بعض المنشآت (الغاب).. وأدى تراجع معدلات هطل الأمطار في الموسم الشتوي الماضي إلى تراجع تخزين السدود المستثمرة في كل الأحواض المائية (ما عدا سدود نهر الفرات) مقارنة بالتخزين التصميمي والعام الماضي، فمثلاً بلغ التخزين مع نهاية أيار الماضي 800 مليون م3 من أصل التخزين التصميمي البالغ 2,8 مليار م3، ويعادل التخزين الحالي أقل من 54% من تخزين السدود في العام الماضي. ونتبين مما سبق صعوبة تأمين مياه الري لتنفيذ كامل الخطة الزراعية في شبكات الري الحكومية (ماعدا الفرات الذي يشكل نصف المساحات الحكومية) للموسم الصيفي الحالي والخريفي.. ويتم حالياً التنسيق مع وزارة الزراعة لتعديل الخطة بما يتفق والواقع المائي. وتضيف المهندسة عبد النور: إن مساحة الأراضي المروية في خطة 2014 هي 1564 ألف هكتار، وهي تقدم 55-60% من الإنتاج الزراعي في سورية، والمساحات المروية بالمياه الجوفية وفق الخطط الزراعية 880 ألف هكتار، وتشكل 56% من المساحات المروية، وتوجد مساحات مستصلحة في محافظة الحسكة لا تتوافر لها المياه حوالي 480 ألف هكتار وتعادل 31% من المساحات المروية، وتقوم الوزارة بتقديم كل الدعم الحكومي الممكن للزراعة المروية بالشبكات وهي تتقاضى رسوم ري قدرها 3500 ليرة/هـ/سنة وهي رسوم بسيطة أمام حجم التكاليف لتشغيل هذه الشبكات. انخفاضات حادة تقارير وزارة الري تشير إلى حدوث انخفاضات حادة، وقد أدى ضخ كميات كبيرة من المياه الجوفية خلال السنوات الماضية بهدف إنتاج المحاصيل إلى حدوث انخفاض في مناسيب المياه الجوفية وزيادة ارتفاعات وتكاليف الضخ وتدني تصريف بعض الينابيع وجفاف بعضها. - ففي حوض اليرموك انخفض إجمالي تصريف الينابيع من 3,5م3/ثا عام 2001 إلى 2,5م3/ثا عام 2012. - وفي حوض العاصي انخفض من 14,5 إلى 11,8م3/ثا. - نبع المزيريب في درعا انخفض من 900 إلى 310ليترات/ثا. - نبع السمك في حمص انخفض من 470 إلى 240ليتراً/ثا. - نبع عين الزرقا في إدلب انخفض من 5500 إلى 4000ليتر/ثا. - توقف ينابيع الخابور. كما ساهمت الآبار غير المرخصة في تدني المناسيب الجوفية أيضاً، وحسب كتب وزارة الموارد المائية فإن عدد الآبار غير المرخصة 112047 من أصل 229195 بئراً. إجراءات لتخفيض استهلاك المياه الجوفية باشرت الوزارة بعدد من الإجراءات –حسب عبد النور- من أجل تخفيض استهلاك المياه الجوفية، منها: منح تراخيص لآبار الري في المناطق التي يتوافر فيها المتجدد المائي فقط، تركيب العدادات على الآبار ومراقبتها، استهلاك المياه الجوفية في التخطيط الزراعي حسب المتجدد بالتنسيق مع الزراعة، متابعة الحصر الجديد للآبار وإيجاد حل لمشكلة الآبار المحفورة خلال الأزمة بأعداد كبيرة، وعلى الرغم من أنه لم يتم حصرها بعد لكن من المتوقع أن تؤثر بشكل كبير في استجرار المياه الجوفية، ومن الضروري معالجة الموضوع بسرعة.. السماح بحفر الآبار في بعض المناطق الحدودية. وتتوقع بعض المصادر أنه في حال تعرض بلدنا لموسم جفاف ثان «لا سمح الله» فإن مساحات كبيرة ستخرج من الخدمة، وستخرج سدود كاملة من الخدمة، ناهيك بالتأثيرات الخطرة على مياه الشرب أولاً وأخيراً، بينما جهاتنا المعنية لاتزال تفكر في مسألة تأهيل شبكات المياه وتتذرع دائماً بمسألة الهدر في المياه، مبتعدة عن خيار التفكير الجدي في إيجاد حلول استراتيجية متكاملة، والتوجه نحو تحلية مياه البحر مثلاً، أو حفر آبار ذات عمق كبير.. وغيرها من الخطط الواجب اعتمادها منذ سنوات، وليس عند وقوع الفأس في الرأس..!! مياه الشرب ليست في أحسن حال إذا تركنا واقع المياه المخصصة لأغراض الزراعة والصناعة جانباً، فإن مياه الشرب ومناسيبها ليست في أحسن حال أبداً، فقد بلغ الإنتاج الإجمالي لمياه الشرب خلال أعوام 2011-2012 من كل المصادر 1,3 مليار م3 المقابلة لحصة الفرد قدرها 154/ليتراً/فرد/يوم، ولكن -حسب كتب الوزارة- فإن نسبة الهدر في الشبكات تصل إلى 33%، والاستهلاك الصافي 878 مليون م3، ووصلت حصة الفرد الفعلية إلى 103 ليترات/يوم، وتعود الوزارة لتقول: على الرغم من الظروف الحالية فقد بلغ إنتاج مياه الشرب عام 2013 كمية 12,4 مليار م3، لكن خلال الموسم الحالي تراجعت الكميات. «الموارد» تشخيص الصعوبات من الصعوبات التي شخّصتها الوزارة في قطاع مياه الشرب خلال الفترة الحالية: توقف تنفيذ عدد من المشروعات المهمة (خط حمص حماه- جر مياه نبع عين الزرقا لمدينة إدلب- خط الجر الخامس لمدينة حلب..)، وسيطرة المجموعات الإرهابية على مصادر مائية ومنشآت تصفية وضخ، وخروج بعض المنشآت والخطوط من الخدمة فترات طويلة بسبب تعديات المجموعات الإرهابية (القصير- خط حماة- محطات الضخ في حلب..)، والفاقد الكبير في شبكات المياه.. وحصلت تغيرات ديموغرافية، والحاجة لتأمين المياه للوافدين لمناطق جديدة، وهناك حاجة ملحة لمواد التعقيم، إضافة إلى مسألة الانقطاعات الطويلة للكهرباء عن محطات الضخ والصعوبات المتعلقة بتنقل العاملين وصعوبات تتعلق بالصيانة والإصلاح، وغياب توافر المحروقات لمولدات الكهرباء الاحتياطية. إجراءات لتأمين استمرار المياه تعمل الموارد المائية على تأمين مصادر مائية جديدة (آبار) بشكل خاص، وتجهيزها بمستلزمات الضخ من مضخات وكهرباء وخطوط وخزانات.. وبعض هذه الآبار يتم ربطه بالشبكة الموجودة، وبعضها مستقل كمناهل مياه، ويعمل بعضها كمصادر احتياطية(آبار حلب وحمص وحماة..)، وقد أدخلت في الاستثمار 346 بئراً جديدة خلال السنوات القليلة الماضية في كل المحافظات تقدم 287 ألف متر مكعب يومياً، وهذه الكمية تعادل 9% من إجمالي إنتاج المياه اليومي في كامل القطر ومن كل المصادر عام 2010، وسترفد هذه الكميات مياه الشرب.. كما يستمر حفر آبار جديدة، ويبلغ عددها 234 بئراً في كل المحافظات، وستنتج 522 ألف م3 يومياً، وهي تعادل 16% من إنتاج القطر عام 2010 وستنجز هذه الآبار تباعاً حتى النصف الثاني من 2015. وهنا نضيف، وكما قال المهندس حسام حريدين- مدير عام مؤسسة المياه في دمشق وريفها: إن هناك خطة لتأهيل الشبكات والبدء بتنفيذ مشروعات جديدة وفتح آبار جديدة بدأت المؤسسة بتنفيذها. كما سيتم تأمين مستلزمات تعقيم مياه الشرب بالتعاون مع المنظمات الدولية والهلال الأحمر السوري، وتأمين عدد كبير من مضخات المياه للآبار ومولدات الكهرباء الاحتياطية العاملة على الديزل، والمباشرة بعدة إجراءات إسعافية لرفع حصة الفرد من مياه الشرب في مواقع الحصة المتدنية لرفعها لما يقل عن 60 ليتراً يومياً (مثال منطقة السلمية التي ستلمس تحسناً ملحوظاً خلال أشهر قليلة بحصة الفرد فيها..). أما فيما يخص الحديث عن خطر توقف تأمين مياه الشرب لمدينة حلب بسبب نقص منسوب مياه بحيرة الأسد (بحيرة سد الفرات)، فتؤكد الوزارة أنه وعلى الرغم من انخفاض المناسيب فعلاً قياساً بالعام الماضي فإن الكميات المتاحة في البحيرة تكفي للشرب لمدينة حلب والرقة وديرالزور عدة سنوات إذا استخدمت مياه البحيرة للشرب فقط، وتقوم الوزارة بالمناورة باحتياطي المياه في البحيرة لاستعماله لأغراض الشرب والري وتوليد الكهرباء حسب التخزين الحالي والواردات القادمة من تركيا مع إعطاء الأولوية المطلقة لاحتياجات الشرب. وعن مياه الشرب في دمشق وريفها، قال مدير عام مؤسسة المياه في دمشق وريفها- حسام حريدين: هناك تأثيرات على الحوض المائي بسبب الجفاف وبعض الصعوبات، لكن هناك إجراءات جديدة مثل، مشروعات تأهيل للشبكات وتأهيل للآبار وفتح أخرى جديدة، وكلها مشروعات هدفها تأمين وارد مائي جديد يضاف إلى الكميات المتاحة للاستهلاك، وقد وضعت المؤسسة خططاً لتلافي أي صعوبات، وبدأت بتنفيذ مشروع جديد لرفد مياه صحنايا وأشرفيتها بوارد مائي يسد حاجات السكان المتزايدة، وهناك مشروعات وإجراءات أخرى. استنتاجات وأرقام حسب الموارد المائية فوسطي الهطل المطري السنوي حوالي 46 مليار متر مكعب في السنة، يقابله واردات مائية (السطحية والجوفية) بحوالي 9 مليارات م3 في السنة (بعد حسم التبخر)، إضافة إلى حصة سورية من نهر الفرات حوالي 6,6 مليارات م3 سنوياً، وعليه تكون المياه المتاحة للاستعمال 15,6 مليار م3/سنة. وفي حين تبلغ الواردات المائية على مستوى القطر باحتمال ورود 95% هي 11 مليار م3/سنة، وفي هذه الحالة تعدّ السنة جافة جداً، وعند وضع الخطة الزراعية يعتمد احتمال ورود 75% الأمر الذي تكون عنده الواردات المائية حوالي 13 مليار م3/سنة، وإذا كان معدل الهطل المطري للعام 2013-2014 حوالي 22 مليار م3/سنة وهو ما يعادل 48% من وسطي الهطل المطري السنوي البالغ 46,6 مليار م3/سنة، فعليه يصبح الوارد المائي عدا نهر الفرات هو 4,7 مليارات م3.. وهنا فمن المتوقع أن يصل العجز المائي إلى 6,171 مليارات م3 باعتبار تم تأمين استخدامات المياه نفسها للعام الهيدرولوجي السابق 2012-2013، وهذا يظهر لزوم اتخاذ إجراءات أكثر فعالية ودق ناقوس الخطر حيال أزمة كبيرة ستكون آثارها أكثر حدة إذا ما عصف بمنطقتنا موسم جفاف آخر خلال الموسم المقبل «لا سمح الله». وفي النتيجة، يتبين جلياً العجز في تحقيق الخطة الزراعية المخطط لها كاملة لشبكات الري المصممة على السدود لهذا الموسم الحالي الموسم المقبل ما لم تتخذ إجراءات، منها: إعادة النظر في الخطة الزراعية للموسم الزراعي وفق الموارد المائية المتاحة (الآخذة بالتراجع) وإعطاء الأولوية للموسم الشتوي، ولو كان على حساب الخطة الزراعية أو اختيار التراكيب المحصولية بما يتناسب مع كمية المياه المتاحة. ولابدّ من الإشارة إلى أنه على سبيل المثال لا الحصر أيضاً، كان إجمالي الهطل المطري على حوض الفيجة في تاريخ 5/5/2014 (218)ملم، وهذا الهطل تكرر مرتين خلال القرن الماضي عام 1932 وعام 1959 (1960) علماً بأن وسطي الهطل لآخر 57 عاماً على مستوى الحوض 515ملم، والهطل في التاريخ نفسه العام الماضي حوالي 630ملم، وهذا يستدعي تفكيراً عملياتياً لتجاوز أي انحرافات وتراجعات قادمة، ولاسيما لحوض الفيجة بعد ملامسة آثار العجز المائي في معظم المناطق ولاسيما في أحياء دمشق وريفها وبدرجات مقلقة. وأمام جهاتنا المعنية سيناريوهات وخطط من الواجب الإسراع في تطبيقها، ولاسيما مع تفاقم شح المياه والهدر في توزعات الاستهلاكات المستخدمة للمياه، وإعادة النظر جدياً باستخدامات الزراعة المستهلكة لـ89% فيما استخدامات الشرب والاستهلاك المنزلي لا تتعدى الـ8%.

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://znobia.com/?page=show_det&category_id=16&id=1413