عبد الباري عطوان: هل سينعكس التوتّر بين تل أبيب وموسكو بسبب أوكرانيا لصالح سورية؟
صحيح أن أوكرانيا بعيدةٌ عن منطقة الشّرق الأوسط، ولم يكن لها أيّ دور رئيسي أو ثانوي في سِياساتها طِوال العُقود الماضية، ولكنّها قد تكون أسدت إلينا كعرب خدمة جليلة لا تُقدّر بثَمنٍ دون أن تقصد.
نشرح أكثر ونقول، بأنّ الأزمة الأوكرانيّة المُتفاقمة حاليًّا، خلقت شرخًا كبيرًا، وفي طور الاتّساع، بين “إسرائيل” وحليفها “المُستَتِر” الاتّحاد الروسي، ورئيسه فلاديمير بوتين، ووضعت “اللوبي اليهودي” النّافذ والقويّ في موسكو في حرجٍ شديد.
تل أبيب، وفي ظل تصاعد هذه الأزمة، وحالة الاصطِفاف الإجباري التي رافقتها، اختارت أن تقف “مُكرهةً” في الخندق الأمريكي، واضطرّ وزير خارجيّتها يائير لبيد أن يُعلن ذلك على المَلأ عندما قال في بيانٍ رسميّ “إننا في إسرائيل سنقف إلى جانب حليفنا التقليدي، أيّ الولايات المتحدة الأمريكيّة في الأزمة الأوكرانيّة، ولا يُمكن أن نتخلّى عنه في هذه الظّروف الصّعبة”.
***
صحيفة “هآرتس” الإسرائيليّة كشفت في عددها الصّادر اليوم الخميس عن مضمون رسالة “غير مُباشرة” وجّهتها السّلطات الروسيّة بعد ثلاثة أيّام فقط إلى نظيرتها الإسرائيليّة أكّدت فيها عدم اعتِرافها بسِيادتها على هضبة الجولان”، حيث هاجم ديمتري بوليانسكي نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة “إسرائيل” أمس الأربعاء، واحتِلالها لهضبة الجولان، وأكّد موقف بلاده بعدم الاعتِراف بالسّيادة الإسرائيليّة عليها، وقال “نحن قلقون من خطط تل أبيب المُعلنة لتوسيع النّطاق الاستِيطاني في الهضبة المُحتلّة، الأمر الذي يتعارض مع أحكام اتفاقيّة جنيف لعام 1949، ولا تعترف روسيا بسِيادة إسرائيل على مُرتفعات الجولان التي هي جُزءٌ من سورية”.
وكانت الخارجية الإسرائيليّة أصدرت بيانًا قالت فيه “تدعم إسرائيل وحدة أراضي وسِيادة أوكرانيا، وتُعرب عن قلقها على رفاهيّة 8000 إسرائيلي يُقيمون في أوكرانيا وعلى مصير الجالية اليهوديّة”.
ورُغم أن هذا البيان لم يَذكر روسيا بالاسم، إلا أنه أثار غضب القِيادة الروسيّة ودفعها إلى المُبادرة بالرّد عليه بشَكلٍ مُتسارع، وبعد يومٍ واحد من صُدوره
هذا الرّد الروسي يأتي في إطار وجود مُؤشّرات على تصاعد منسوب التوتّر في العلاقات الروسيّة الإسرائيليّة، وخاصَّةً في الملف السوري، انعكست في مُناورات جويّة وأرضيّة سوريّة روسيّة مُشتركة فوق هضبة الجولان شاركت فيها طائرات “سو 35” الروسيّة المُتطوّرة، ونشر روسيا قوّات تابعة لها في ميناء اللاذقية لإنذار إسرائيل من الإقدام على أيّ قصفٍ له، لأنّ هذا القصف سيُعرّض أرواح الجُنود الروس للخطر.
ما زال من غير المعروف ما إذا كانت القيادة الروسيّة ستكتفي بهذه الرسالة التحذيريّة الأخيرة “الملغومة” للحُكومة الإسرائيليّة المُتعلّق بهضبة الجولان، أم أنها ستُقدم على إجراءات عمليّة ووسائل أُخرى أكثر خُطورة مِثل رفع الحظر عن استِخدام الجيش العربي السوري لصواريخ “إس 300” للتصدّي للطّائرات الإسرائيليّة وصواريخها التي تستهدف أهدافًا في العُمُق السوري، وهُناك مُؤشّرات تُؤكّد أن هذه الخطوة قد تكون وشيكة، وأحد مُفاجآت المَرحلة المُقبلة.
القيادة السوريّة سارعت بإعلان اعتِرافها باستِقلال دونتسك ولوغانسك شرق أوكرانيا، وتأكيد دعمها للتدخّل العسكري الروسي لهذا الاستِقلال، ولم تسبقها في هذا المِضمار إلا دولة “بيلاروسيا” الجار الحليف الأوثق لموسكو، وهي الخطوة التي حظيت بتَرحيبٍ كبير من قِبَل القِيادة الروسيّة وانعكست في أجهزة إعلامها، مُضافًا إلى ذلك أن إيران حليفة سورية، التي تتعرّض قواعدها وجُنودها للقصف الإسرائيلي، وقفت إلى جانب روسيا في الأزمة الأوكرانيّة، ولم تبع أيّ صواريخ أو مُسيّرات إلى أوكرانيا على غِرار ما فعلت تركيا التي باعت مُسيّرات “بيرقدار” لأوكرانيا، وأدانت التدخّل العسكري الروسي، وقبلها ضم شِبه جزيرة القرم.
***
ومثلما كان الدّعم الإسرائيلي للموقف الغربي الأمريكي في أزمة أوكرانيا ضربة مُؤلمة للرئيس بوتين شخصيًّا، فإنّ الغارات الإسرائيليّة على سورية، والتي كان آخِرها فجر اليوم، وأدّت إلى استِشهاد ستّة جُنود في القنيطرة، تُشَكِّل إحراجًا أكبر له، خاصَّةً في هذا التّوقيت، وتُؤَثِّر سلبًا على شعبيّة بلاده في العالمين العربيّ والإسلاميّ في هذا الوقت الحَرِج.
لم نُبالغ عندما قُلنا أكثر من مرّةٍ أن “إسرائيل” ستكون أحد أبرز الخاسِرين في الأزمة الأوكرانيّة، ليس على صعيد توتّر عُلاقاتها مع روسيا فقط، وإنّما لأن هذه الأزمة، قد تكون بداية النّهاية للعصر الأمريكي الحاضِن لها، وهيمنته على مُقدّرات العالم.. والأيّام بيننا.
عبد الباري عطوان