المعلوم عن اهل حلب ميلهم للفن والغناء والطرب حتى أنك نادرا ما تجد من اهل حلب ليس له باع في الطرب وفي المقامات او له أذن موسيقية كميزان الذهب لذلك حفلت حلب بالعشرات من شيوخ الغناء الذين أثروا المكتبة الموسيقية بالألحان الخالدة والصوت الجميل مثل الشيخ عمر البطش والفنان الكبير صباح فخري وصبري مدلل وشادي جميل وغيرهم العشرات ..ولا ريب أن يقول فيها سيد درويش تلك الكلمة " من صفقت له حلب صفقت له العرب " وهذا كلام واضح الدلالة أن الفنان لا يمكن أن يصبح فنانا إلا إذا أرضى أهل حلب فهنالك الامتحان الذي يكرم فيه الفنان حقا او يهان . ووما روي عن الموسيقار محمد عبد الوهاب أنه في ثلاثينات القرن الماضي أراد زيارة حلب لما سمع عن عشق أهلها للطرب وفهمهم لأدق معانيه واتفق فعلا مع صاحب مسرح هناك على إحياء عدة حفلات فيها وفي اليوم المحدد للحفلة فتح محمد عبد الوهاب ستارة المسرح ليرى الحضور لكنه فوجئ بوجود بضعة أشخاص فقط من كبار السن حاضرين وباقي الكراسي فارغة فهرع إلى صاحب المسرح الذي لم يبد أي ردة فعل بل طلب من الفنان متابعة الحفل فقط ، وفعلا وقف عبد الوهاب على خشبة المسرح وغنى وأجاد وهم يستمعون له صامتين . انقصى الحفل بسلام حتى كان اليوم الثاني وموعد الحفلة الثانية حيث اكتظت الصالة عن بكرة أبيها بالحضور وعند سؤال عبد الوهاب عن السبب قال له صاحب المسرح أن من حضر الحفل الأول هم سميعة حلب فقط وهم من يقول للناس احضروا أو لا تحضروا وقد نلت الرضى !!! طبعا مكث عبد الوهاب في حلب عدة أيام واستمع لكبار موسيقييها وطلب منهم الاستماع - على سبيل التحدي - إلى موشحات من نغمة السيكاه الاصلية التي لا يخالطها نغمة الهزام في لغة أهل الطرب وقد كان طلبا تعجزيا باعتبار أن هذا النوع من الموسيقى غير موجود في حلب قاطبة لكن الشيخ عمر البطش طلب من عبد الوهاب يوما واحد لتلبية طلبه وقام الشيخ البطش خلال يوم واحد فقط بتلحين موشح "رمى قلبي رشا أحور " على هذا المقام بطريقة أذهلت الفنان عبد الوهاب فعلا . وتبقى للموسيقا في حلب قصتها تلك المدينة التي أثبتت أنها أقوى من الموت والدماء وأن قلعتها التي صمدت في وجه الحروب والغزوات ستبقى أبد الدهر تعانق السماء بزهو وفخار وهي تنشد " اسمك يا شهبا يا شهبا انكتب "

المحامي لؤي اسماعيل