هنا حمص القديمة , الوسط القديم من المنطقة الوسطى , العقدة الصعبة في وجه أي تقدم عرضي الخطوات للقوات السورية , يهدف إلى اعلان مدينة حمص منطقة ً منزوعة السلاح , ذلك كان قبل أن يتخذ المسلحون من حي الوعر ملاذاً لوجستياً آمناً لهم , يربط أحياء المدينة الحديثة بريفها الشمالي الأكثر اشتعالاً في سوريا , الريف الذي تشكل بلدات ومدن الرستن وتلبيسة والدار الكبيرة وسهل الحولة قاعدته المتينة , هناك حيث يوجد آلاف المسلحين الملتحين بعضهم سوري الجنسية والبعض الآخر عربي غير سوري , النصرة وداعش إلى جانب الحر والاقتتال القديم الجديد .
داخل المعركة :
الجيش السوري مع الدفاع الوطني كانا قد حضرا نفسيهما لخوض غمار معركة كبرى شمال حمص , قبل أن تتغير الخطط لتتجه البوصلة إلى غرب حمص , الحصن والزارة معركة الاربعين يوماً انتهت لتحسم معها السيطرة الكاملة على الحدود اللبنانية وعبرها اعلان غرب حمص آمناً بشكل تام .
كان من البديهي أن يعتقد المراقبون أن العملية ستعود لتشمل الريف الشمالي , الريف الذي وضعت خططه قبل البدء بالغرب , ولكن المفاجئة كانت اعلان بداية عملية عسكرية كبرى في الأحياء القديمة داخل المدينة , الأمر الذي يبدو غريباً ومفاجئاً , فالمنطقة بواقعها غير مهيأة لتشهد عملية قد تستغرق أياما ًطوال , ونتيجتها غير محسومة لجهة خسارات كل طرف على الأرض .
ولكن لدمشق رأي ٌ آخر , وفي حمص رجال قرروا التحرير فمضوا في وضع خطط محكمة , قد يكون من الصعب الاطلاع عليها قبل الشروع بها , ولكن وقائع التقدم توضح الآلية والتكتيك المستخدمين لخوض كبرى معارك المدن والتي تندرج تحت اسم حرب الشوارع .
استراتيجية الدفاع :
قد يبدو بعد ثلاثة أعوام من الحرب على سوريا , أن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم , بكل ما قد يحمله لك من خسائر – آنية - , فبقاء المسلحين على المدى الطويل داخل الحي سيسهل لهم عملية استنزاف قواك البشرية , وفي منطق القادة الشجعان – الجندي قبل السلاح - , فلتكن خسائرك في شهر عشرة عشرون مئة , ولا أن تصل خلال عام من الحرب الباردة إلى ألف مثلاً , وهنا المثال يخدم خصوصية حمص القديمة , ولا يمكن تعميمه حتى على مناطق متشابهة خارج الجغرافية الضيقة والديمغرافية المقلقة في حمص القديمة .
تكتيكات المسلحين :
يعتمد المسلحون في تكتيكهم العسكري في الدرجة الأولى على الأنفاق , فيعمدون إلى التنقل تحت الأرض لحماية أنفسهم من ضربات الطيران والمدافع السورية التي لا تدخر جهداً في التمهيد اليومي لتقدم قوات المشاة , والتي باتت نخبوية بحسب ما تشهد به مناطق عدة من سوريا .
كما يعتمد المسلحون على زراعة القناصين في مختلف الجهات والزوايا , فمن الصعب دخول حمص القديمة بالآليات العسكرية لضيق شوارعها – بعض الشوارع لا يتعدى عرضها متراً واحدا - , كما ويعمدون إلى تفخيخ المباني وبكثرة لعرقلة الجيش السوري حال انسحابهم إلى خطوط خلفية .
يخدمهم في كل ذلك طبيعة الأحجار التي بني منها الحي , فهي بغالبها حجار زرقاء رومانية , تأثير النيران فيها أقل ضرراً من البناء الحديث , وهم الذين باتوا خبرة في حرب العصابات التي ينشط جهدها ليلاً , الأمر الذي تداركه الجيش بضرب المعقل قبل التحرك غالباً , علاوة ً على تنفيذ عمليات داخل صفوف المسلحين تعتبر خروقات أمنية من الدرجة الأولى .
ديمغرافية المنطقة القديمة :
يقطن الأحياء القديمة مسلمون ومسيحيون , ذلك سابقاً , قبل أن يتم تهجير آلاف المسيحيين من أحياء الحميدية وبستان الديوان إبان سيطرة مسلحي الخالدية مدعومين بجماعات متشددة من الورشة وباب هود على مختلف أحياء حمص القديمة , في شهر شباط من عام 2012 يوم كان يتشح المشهد السوري بالسواد , لتسجل منظمات حقوق الانسان في ذلك الوقت مئات حالات الاغتصاب والقتل ذبحاً بحق مواطنين بقوا في بيوتهم , قبل أن يجري من بقي في الداخل تفاهماً نسبياً مع القادمين من الجوار , على دفع جزية غير معلنة في حينها , ما لبثت أن تحولت إلى حياة واحدة قاسمها المشترك حصار شديد يفرضه الجيش على المنطقة .
في الجزء الثاني نشرح سير العملية العسكرية بالتفاصيل والصور ...
عربي اونلاين