http://www.
http://www.
http://www.
http://www.
http://www.
http://www.
https://www.facebook.com/media.lama.abbas
أرشيف دراسات دراسات
أيام العيد السورية تنتهي كما بدأت
طارق العبد
انتظر السوريون مساء الخميس الماضي إعلان الجيش السوري رسمياً وقف العمليات العسكرية، أو ما اصطلح على تسميته بهدنة عيد الأضحى. خرج البيان المنتظر، وفتح الباب على بصيص أمل ضعيف للغاية، وهو أن تمر بضعة أيام من دون أن تراق أي قطرة دم، لكن شيئاً لم يحدث. فقد استمر كل شيء كما كان، وكأن قدر الشعب ألا يلتقط أنفاسه ولو لساعة واحدة.
ثلاثة أيام من عمر الهدنة لم يتوقف فيها القصف والاشتباكات العسكرية والمداهمات والنزوح، مع عاملين جديدين، الأول زخم التظاهرات في اليوم الأول، والثاني جنون انفجار السيارات، التي لم تعد تستهدف المراكز الأمنية والعسكرية بل حتى تجمعات الأطفال في أيام العيد، فبدت الصورة أشبه بعراق ثان، حيث يفتتح الناس يومهم بانفجار سيارات ويختتمونه باشتباكات مسلحة، ما ألغى كل معنى للفرح في البلاد.
وحتى أقصى المتفائلين بنجاح الهدنة التي اقترحها المبعوث الدولي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي كان يعرف جيداً أن فرص نجاحها ليست بالكبيرة للغاية، في ظل فقدان السيطرة على بعض المناطق من جهة وإعلان عدد من المجموعات المسلحة أنها لن تلتزم بالهدنة ولا تعترف بها حتى.
لكن رغم كل هذا، تفاءل الناس خيراً. هكذا اعتبر علي، وهو طالب جامعي يعمل سائقا لسيارة لإعالة أسرته، أن «ليلة العيد لم تكن تبشر بهدوء ستحمله الأيام التالية، فالقصف المدفعي على منطقتنا في الحجر الأسود لم يتوقف، ناهيك عن اشتباكات جرت في مناطق مجاورة كحرستا وبرزة ودوما ومعضمية الشام، ما دفعنا لمغادرة الحي، لكن الحواجز الأمنية عند المداخل سمحت للبعض بالمغادرة فعلاً وأغلقت الطريق في وجه آخرين لتمنع الدخول والخروج، وهو ما تكرر في مناطق عدة».
ويؤكد إياد، وهو مدرس وأب لعدة أطفال في حي القصاع الدمشقي، أنه «لم يغامر ويخرج من بيته إلا للضرورة القصوى، فالانفجار الذي أصاب حي باب توما المجاور قبل أيام ما زال عالقاً في أذهانهم، إضافة إلى تزايد التحذيرات من سيارات مفخخة أو عمليات خطف قد تقوم بها مختلف الجهات لأهداف متعددة، هذا طبعاً إن اقتنع عناصر الأمن على الحواجز في قلب دمشق بالسماح للسكان بالمرور».
أما احمد فيشير إلى أن «منطقته لم تعرف ساعة هدوء واحدة، بل سجلت في الساعات الأولى من الهدنة (صباح الجمعة الماضي) سقوط ثلاثة قتلى في اشتباكات بين الجيش النظامي والمعارضة المسلحة». ويعتبر ابن منطقة حرستا في ريف دمشق أن «الكارثة الكبرى لم تكن فقط في حدة الاشتباكات التي دارت مع كتائب سلفية، أعلنت مسبقاً عدم اعترافها بالهدنة، لكن بالمزايدة الكبرى بينهم وبين الأهالي، حيث رفض المسلحون الاستجابة لنداءات الناس بالخروج من حرستا وترك المنطقة آمنة. وصرخ العديد من المسلحين بوجههم قائلين: نحن نقوم بحمايتكم، ولن نسمح أن يقال عنا ضعفاء».
واعتبر أحد النشطاء في مجال الإغاثة في دمشق أن المؤشر الوحيد على الهدنة تمثل في قدرة العديد من المنظمات والجمعيات الأهلية على تقديم معونات إضافية للنازحين في المدارس ومراكز الإيواء، و«التي ربما جاءت بوقتها مع وصول الشتاء باكراً وحاجة الكثيرين إلى ما يقيهم البرد»، لكنه يستدرك أن «هذا كان حال المراكز في دمشق، أما في الريف وباقي المحافظات فربما ما زال الوضع على حاله».
على أن نوعاً جديداً من العنف سجل على الساحة السورية خلال أيام الهدنة، إنها السيارات المفخخة التي حوّلت دمشق إلى بغداد ثانية، مع جنون الانفجارات الذي لم يتوقف منذ قبل العيد وحتى اليوم، ليستهدف أي منطقة، مدنية أو عسكرية. هكذا قررت إحدى المجموعات المسلحة استهداف تجمع للأطفال يحتفلون فيه بالعيد بسيارة أودت بحياة العشرات، وسبقها تفجيران في حي ركن الدين والدويلعة، ولحقها أمس انفجار في مساكن برزة، ليتكرر المشهد في عدة مدن، أبرزها دير الزور التي شهدت انفجارين، الأول قرب مبنى تابع للأمن وآخر أمام كنيسة السريان وسط المدينة، أديا إلى مقتل وإصابة العشرات من أبناء المنطقة المنسية، حتى من نشطاء الثورة، إذ يصر معظم القائمين على المعارضة على تجاهل المنطقة وما تتعرض له من فوضى السلاح وهستيريا القصف المتبادل بين المسلحين والقوات النظامية، وغابت بالتالي أي ملامح لوقف العمليات العسكرية هذا إن لم تتزايد، وفق كلام نشطاء داخل المدينة.
المشهد في حمص لم يكن أفضل حالاً، مع انقسام الوضع في اكبر محافظات سوريا إلى مناطق آمنة (نوعاً ما) كالإنشاءات والوعر والمحطة، وهي التي تجمع بها مئات آلاف النازحين من أحياء أخرى كباب السباع وبابا عمرو والخالدية وجورة الشياح، وهي الأحياء التي تشهد تمركزاً للمجموعات المسلحة وتفرض عليها القوات النظامية حصاراً خانقاً بهدف السيطرة عليها.
ويعتبر أحد الناشطين في حمص أن الهدنة لم تمر في المدينة «لأن الكتائب المقاتلة هي أشبه بجسم بلا رأس، بل إنها في أوقات كثيرة تعيش صراعاً بين بعضها البعض بحكم امتلاك كتائب لكميات كبرى من السلاح والنفوذ والاتصالات مع الدول الداعمة بالسلاح، في وقت تتعرض كتائب أخرى للضغط والتضييق، ناهيك عن المجموعات السلفية التي لا تعترف حتى بباقي المجموعات المقاتلة، ولها استراتيجيتها الخاصة بها، ما يعني واقعاً معقداً وبالغ التوتر في حمص، ينعكس يومياً قصفا وتبادلا لإطلاق النار، بالإضافة إلى وضع اجتماعي بالغ السوء مع ارتفاع الأسعار، وصعوبة وصول المعونات إضافة للاحتقان المذهبي الخطير»، على حد تعبيره، وهي عوامل تراكمت بعضها مع بعض فأبعدت أي مشهد فرح عن حمص. ويلخص ناشط آخر في المدينة الحال بسخرية: أصبح عدد الكتائب في حمص يفوق عدد السكان! 
أما حلب فلم تكن بعيدة عن حال مناطق سورية أخرى، مع سيطرة المسلحين على جزء من الأحياء ومحاولة النظام استعادتها بشتى الوسائل، لتذهب معهم الهدنة أدراج الرياح.
ووسط تزايد الدعوات لإصلاح حال «الجيش الحر» من جهة والالتفات للنازحين في حلب من جهة أخرى مع اقتراب الشتاء، تبدو الصورة كما هي من دون تغيير يذكر، كما يقول الناشط في مجال الإغاثة في حلب ماجد، موضحا أن من تبقى من الأهالي في المدينة بدا متردداً في الخروج ولو لساعات حتى ضمن الأحياء التي ما زالت نوعاً ما «آمنة» كالعزيزية والسريان والأشرفية التي شهدت اشتباكات بين المسلحين ومقاتلين أكراد انتهت باتفاق على خروج المسلحين من الحي. 
كل هذا بالإضافة إلى أنباء الخطف والتفجيرات المتنقلة دفع أبناء «الشهباء» للبقاء في منازلهم وعدم الخروج إلا عبر أحد طريقين، الأول يقود جنوباً إلى دمشق، والثاني إلى الحدود التركية بعد أن شهدت مراكز الهجرة والجوازات نشاطاً كثيفاً في الأيام الماضية طمعاً في استغلال الهدنة المفترضة للخروج إلى تركيا، وتأمين طرق آمنة لإيصال المساعدات والمواد الإغاثية، فيما تواصلت الاشتباكات في أحياء أخرى كصلاح الدين والصاخور والميدان والسكري وسيف الدولة، ولم يبق فيها من المدنيين إلا قلة لم تستطع المغادرة أو أنها لم تجد مكاناً تأوي إليه، على حد قوله.
في المحصلة، انتهت أيام العيد في سوريا كما بدأت، دماء وتشاؤم يسيطر على النفوس والاستعداد للتعلق بأي أمل ولو كان سراباً في سبيل الخلاص من سيل الموت اليومي الذي لم يعد يستثني منطقة سورية.

 

السفير

0 2012-10-30 | 10:05:08
 

القائمة البريدية
اشتراك
إلغاء الاشتراك
شكاوي اون لاين
http://www.
جميع الحقوق محفوظة لموقع زنوبيا الاخباري © 2024
Powered by Ten-neT.biz © 2006 - 2024