عرفت الأزمة السورية منذ إنطلاقتها مصطلحات كانت غير معروفة في الشارع السوري إلى حد كبير، فبين الشبيحة الذين يوصفون بأنهم موالون النظام السوري، ويتهمون بمحاولتهم قمع التظاهرات التي تنظمها المعارضة السورية، والذبيحة الذين ينتمون إلى ميليشيا الجيش الحر، وقد أبصرت تسميتهم النور في مدينة دير الزور بعد رفع المعارضين فيها شعارهم الشهير"قولوا للشبيحة، الديرية ذبيحة"، طفت إلى العلن مسميات جديدة ساهم طول عمر الأزمة في جعلهم يكتسبون شهرة تفوق شهرة الشبيحة، والذبيحة معاً.
"المديحة" هم النوع الثالث الذي افرزته الأزمة السورية، ورجال هذا النوع يتصفون بالتصفيق الدائم لأعمال الفريق الذي يوالونه، لا يقيمون إعتبارا للمبادئ، ولا للثوابت، هم وليدوا الأزمة السورية، وسيذهبون ادراج الرياح عندما تضع خاتمة لأحزانها، أهدافهم لا تتضمن التحليل أو شن حروب نفسية من على شاشات التلفزة، جل همهم ينصب في كيفية تحصيل بعض الأموال لأيام سوداء يستشعرون أنها قادمة نحوهم.
مدّيحة النظام أولئك اشد خطرا على النظام السوري من وسائل إعلامية تعتبر مناصرة للثورة كالجزيرة، والعربية، لأنهم وببساطة يصولون، ويجولون على شاشات التلفزة المؤيدة لسورية بسبب إكتسابهم حظوة لدى أحد النافذين الذي يقدمهم إلى وسائل الإعلام التي بدورها تعرف المشاهد عليهم، فيصبح المغمور بين يوم، وآخر محلل سياسي، وباحث إستراتيجي.
هم الذين يقولون شيئا على الشاشة، وأشياء معاكسة في الفنادق التي يرتادونها، هم الذين يتفاخرون بأنهم اول من اشار إلى ان الأزمة السورية مفتوحة الزمان، والمكان، ولكنهم تناسوا ان جدران المطاعم إسترقت منهم سماع عبارة لطالما رددوها لكسب حظوة أفضل لدى الجهات المختصة "الجيش قادر على الحسم ساعة يشاء، ولكنه لا يريد"، فإذ بهم يدخلون انصار النظام في دوامة، فمن جهة يحاولون الإيحاء بأن الجيش السوري قوي بهدف كسب ثقة الجمهور المتابع، ومن جهة آخرى يحاولون دس السم في العسل عبر الإيحاء بشكل غير مباشر بأن هناك من هو متواطئ في القيادة، ومتعامل مع الإستخبارات الأجنبية.
المديحة يحاولون ايضا حفر حفرة لحلفائهم، ولأخصامهم، ولكن في كلتا الحالتين يقعون بها، تراهم يصطحبون معهم كتابا، ولكنه لا يكون جليسهم، بسبب عدم قدرتهم على فهم ما هو مكتوب بين سطوره، هم مهندسون بحيث يقسمون الأزمة إلى أبنية، وأبراج رملية فيصل نتاجهم الفكري إلى حد بناء ثلاثة طوابق، ويعجز بعدها، أو يحال إلى التقاعد، ويصيبه الصدأ، فالمعركة النفسية تتطلب مجهودا فكريا لم، ولن يصلوه بعد.
هؤلاء يحاولون ممارسة لعبة لم يسبق لهم حتى أن سمعوا بها، فالبروباغندا لا يمكن ان تبنى على كذب، هم يصدقون الكذبة (لأنهم غير قادرين اصلا على صناعتها)، ويسيرون بها، فيطبلون ويزمرون، ويسجنون من يريدون، ولكن في اليوم التالي، لا يتطابق حقل حسابهم مع بيدر الأزمة، فيدفع من صدقهم الثمن ويصاب بالإحباط أكثر، فمن وثق بكلامهم سرعان ما سيتبين له زيف إدعاءاتهم، وسيفقد الأمل في تحقيق الإنتصار لأنه سيقول في قرارة نفسه كيف لنا ان ننتصر، ومن نصدقهم يكذبون علينا.
احيانا يخرج هناك من يقول ان المديحة يحاولون قدر الإمكان الرد على الإشاعات التي تطلقها المعارضة، وبأن المعركة الحالية بحاجة إلى تضافر كل الجهود، ولكن هدف المديحة الأساسي يكمن في دس الدسائس بحق كل من يحاول بصدق صد الحرب النفسية التي تحاول إجتياح العقول، ألم يكن وزير الإعلام العراقي السابق محمد سعيد الصحاف أحد رجال نظام صدام حسين، ترى اين اصبح صدام، ورجاله، واين يعيش الصحاف، وأمثاله.
عربي برس