http://www.
http://www.
http://www.
http://www.
http://www.
http://www.
https://www.facebook.com/media.lama.abbas
أرشيف دراسات دراسات
عندما أراد "داوود أوغلو" أن يحول تركيا إلى "شاويش الآغا"
عبر آلة ضخ إعلامية عملاقة، تطحن المعارضين القلة، تمكنت وسائل الدعاية الأردوغانية من السيطرة على معظم الفضاء الإعلامي، لتجعل منه منصة تغير منها على سورية، ومن هنا عملت صحف وقنوات تلفزيونية موالية على خلق رأي عام مؤيد للحرب التي كان من المنتظر شنها، وتعددت أفانين كذبها من الإفراطات العاطفية المتصلة باللاجئين، والتحريض المذهبي السافر، واستعراضات القوة الخاصة بأردوغان، والتكرار الممل لكذب الجزيرة وأخواتها.
بعض وسائل الإعلام المملوكة من قبل حزب العدالة وأركانه، مثل قناة "آ تي في" التلفزيونية وصحيفة "يني شفق"، ناقشت طويلاً الأزمة السورية الناجمة عما سمته بـ"مجازر الأسد" متسائلة عن ماهية الخطط التي رسمها "السيد رئيس الوزراء أردوغان" لإنهاء معاناة السوريين، وهنا يعتقد الإنسان لوهلة أن سورية أمست الحديقة الخلفية لتركيا، أما الوسائل التي تمتلك خطاً دينياً أكثر راديكالية، كقناة "سامانيولو" فإنها تميل أكثر نحو اعتبار الأزمة وكأنها امتحان صبر يتعرض له المؤمنون على يد الطغاة الكافرين، وهي أكثر حدة من أردوغان نفسه في التحريض على الحرب والمطالبة بها، أما الوسائل الأخرى، التي لا تسيطر عليها الحكومة بشكل كامل، فقد تغيرت طريقة تغطيتها بحسب الصحافي المعني، فصحيفة "راديكال" مثلاً أوفدت إلى دمشق الصحافي "فهمي تاشتكين" الذي أجرى سلسلة من التحقيقات (من ضمنها قابل الناطق باسم الخارجية السورية "جهاد مقدسي")، وكان أبرز من لفت الأنظار في تركيا لظاهرة المعارضة الداخلية، والتي هي غير المعارضة الخارجية، وتوجه بلقاء مع رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي "علي حيدر"، ولكن "تاشتكين" نفسه في تحقيق سابق لنفس الصحيفة كان قد اتهم السلطات السورية بالمسؤولية عن بعض أعمال العنف الجارية.
القاسم المشترك للحملات المعادية هو اعتمادها هجيناً محلياً لفرضيات استشراقية عنصرية إلى جانب عقد نقص وشعور قومي غير ناضج، فلدينا الفرضية الاستشراقية التي ترفع شأن الرجل الأبيض ومن بعده تأتي بقية الشعوب الملونة "التي ليس لها ذاك النصيب من الحضارة"، وإلى جانب ذلك نلاحظ في تركيا هذا الشعور القومي شديد التوهج، والذي يتوسل انجازات يصنع من خلالها مجداً للأمة التركية التي لم يكتمل نضجها القومي بعد.
مزج هاتين النقطتين على يد "أحمد داوود أوغلو" أتى بمزيج متفجر يؤذي صاحبه قبل سواه، والتوليفة هي أن تصبح تركيا "شاويش الآغا"، و"شاويش الآغا" كما يعرف في بلاد الشام، هو الشخص الذي كان يشكل حلقة الوصل بين الآغا الإقطاعي وقروييه، فهو ينقل إليهم تعليماته، ويسهر على تنفيذها، ويقوم بالنميمة لصالح سيده، ويتخذ الإجراءات لحماية ممتلكاته، كما قد يلعب أحياناً دور الشهم الذي ينقل توسلات القرويين لسمو الآغا، وإذا كان هذا الآغا يعاني من الانحلال الأخلاقي، كما في حالتنا هذه، فللشاويش مهام أخرى منها ما يتعلق بتأمين سرية المغامرات العاطفية له مثلاً، وتختلف تسمية الشاويش من قرية لأخرى، ومن منطقة لأخرى، فهو الصوباشي والشوباصي والوكيل...
ومن أهم مزايا الشاويش هو أنه، وإن لم ينتمي لفئة الأسياد، فله مكانة أعلى من بقية القرويين الباقين، لكنها مكانة تتطلب طأطأة الرأس أمام الفئة الأعلى، أي سيده وبقية الأسياد، وهكذا لا يكون التقسيم الطبقي بالنسبة له مكوناً من طبقتين فحسب، بل يوجد لنفسه طبقة ثالثة بين الطبقتين، أدنى من طبقة الآغاوات، وأرفع من طبقة القرويين، وهو بذلك يمارس براغماتيته في خدمة الآغا، كما يرضي عقد نقصه من خلال ممارسة نفوذه على طبقة البائسين.
هذا ما أصبحت عليه تركيا على يد "داوود أوغلو" الشاويش الذي يتحدث باسم الآغا، ويمارس بطشه، ويسهر على مصالحه، ولا يتأفف من ممارسة أي دور قذر لصالح السادة، ورغم ذلك فهو يحاول أن يظهر نفسه وكأنه فوق "تلك البلدان الضائعة في صحارى القمع والتخلف كإيران وسورية"..
وبالمناسبة ليست تركيا هي أول من استنبط هذه التوليفة، ففي لبنان الشقيق هناك من لا يزال يرى مجد وعز لبنان في صحون الحمص والتبولة العملاقة والتشبه بالرجل الأبيض، ويمارس العنصرية ضد الفلسطينيين والسوريين.
لم تتحدث وسائل الإعلام التركية الموالية، ولا تلك المحايدة، عن الاذلال الذي لقيه الوفد التركي في إيران، ولم تقل له أن "داوود أوغلو" اتصل بـ"علي لاريجاني" معتذراً عن كلام رئيس وزرائه بخصوص عدم وفاء الإيرانيين، ومتوسلاً ابقاء مكان مفاوضات الـ 5+1 بخصوص الملف النووي الإيراني في اسطنبول، بل تصدر عناوينها خبر كالآتي: "صرامة رئيس الوزراء لخبطت حسابات الإيرانيين ودفعتهم لإعادة المفاوضات إلى اسطنبول".
كذلك لم تستغرب هذه الوسائل إقامة الدرع الصاروخية ضد روسيا وإيران وسورية، أو تشغيل محطة تنصت في كيسيجيك ضد هذه البلدان، أو نقل القيادة البحرية للناتو إلى ازمير، فهي تتناول هذه المواضيع من حيث أن أمريكا من طبقة "الآغاوات" بل هي سيدتهم، وإذا كانت تطلب هذه الخدمة بجلالة قدرها، فكم بالأحرى يجب أن يكونوا سعداء لنيلهم ثقتها، ولا ضير، بحسب توليفة "أحمد داوود أوغلو" من طأطأة الرأس، وتكون عناوين الصحف في هذه الحالة من قبيل: "مباحثات بين تركيا والولايات المتحدة بخصوص التعاون المشترك والعلاقات الوثيقة بين البلدين".
أما عندما يتعلق الموضوع بسورية فهنا تتحرر فجأة كل عقد نقصهم وكل حقدهم، ويصبون جام غضبهم الناجم عن جرعات الاذلال والتوبيخ من قبل السادة، ففي سورية لا يتناول الحديث "آفاق التعاون" ولا "المباحثات الثنائية" بل يغدو تكراراً مملاً لأسطوانات الحرص والإنسانية والديمقراطية وفوقها "دور تركيا المحوري" و"خطط تركيا للتحرك" و"سحب الشرعية من الأسد"، كما نقلت عن رئيس الوزراء "أردوغان" توجيهه لحوالي عشرة انذارات نهائية إلى سورية، وإلى الرئيس "الأسد" شخصياً، فما بالكم بالانذارات غير النهائية، ولكنها لم تنقل دعوة واحدة غير مخلة بآداب الخطاب بين الدول، وذلك لأن الشاويش هنا يفرغ عقد نقصه عبر ممارسة سلطة التفوق المقتبسة من الآغا.
يعتقد الأتراك المخدوعون بالدعاية الأردوغانية، وهم قلة على كلٍّ، أن تركيا أصبحت دولة عظمى عندما يدور الحديث عن سورية، تدغدغ مشاعرهم أحلام استعادة عصر الفتوحات العثمانية على يد سليل السلاطين كما يحب أن يدعو نفسه.
ولكن رغم كل ذلك فقد كانت إدارة "أردوغان" فاشلة في اقناع غالبية شعب تركيا باتباع سياستها، وهي لم تستطع مع كل مؤسساتها ومنظماتها السياسية والمدنية أن تخرج 1% فقط منه في مظاهرة مناهضة لسورية، وداعية للحرب عليها، ومؤخراً خرج رئيس مجلس إدارة جمعية "مظلوم دير"، ذات الأيادي "البيضاء" في تمويل العديد من فعاليات مجلس اسطنبول، بما سماه اقتراح "الحل الثالث" والذي يشكل الاعتراف الأول الصادر عن جبهة صقور الحرب على سورية بأن اسقاط الرئيس السوري وهم.
وللحق فإن هنالك أتراكاً قاتلوا بمعنى الكلمة كي تصل الصورة حقيقية، وكي لا تلهث بلادهم وراء سراب الحرب المدمرة، وتعرضوا لما تعرضوا له من أذىً واضطهاد، وهو ما سيشكل موضوع الحلقة القادمة.
عربي برس
0 2012-04-22 | 23:08:44
 

القائمة البريدية
اشتراك
إلغاء الاشتراك
شكاوي اون لاين
http://www.
جميع الحقوق محفوظة لموقع زنوبيا الاخباري © 2024
Powered by Ten-neT.biz © 2006 - 2024