http://www.
http://www.
http://www.
http://www.
http://www.
http://www.
https://www.facebook.com/media.lama.abbas
أرشيف وجهات نظر وجهات نظر
العقل المحنّط وربيع العنكبوت.. الضجيج والصمت المريب!!
نارام سرجون

أعلم أن هناك من صار يخشى غاراتي ومقالاتي ويختبئ كلما دوت صفارات الإنذار في الفضاء الثوري والعربي معلنة عن غارة جديدة تلقي فيها مقالاتي حمولتها من القنابل الانشطارية التي تشطر عقول الثوار.. والقنابل الفراغية التي تفرغ عقولهم من كل الحشوات الثورية والأوهام.. ولكن ماذا أفعل لعقول الرمل التي تنهار لدى مرور رياح الكلمات؟.. وماذا أصنع بتماثيل الجص الثوري التي تهوي وتتهشم من غارات الكلام؟؟ وسأعيد كلمات قالها بطل في بنت جبيل يوما سيرددها الزمن بلا انقطاع حتى تتحقق وهي أن إسرائيل أوهى من خيط العنكبوت.. ولكن ما هو أوهى من بيت العنكبوت هو ربيع العنكبوت وثورة الأرملة السوداء.. الثورة السورية..

أنا لا أطيق تكرار الكلام واجترار النصائح.. وأنا مقتنع أنه لا يجب الإثقال في تقريع حكام العرب والعرب وثوارهم.. فالإفراط في بذل النصيحة للأوغاد إذلال للنصيحة والناصح.. وتكرار اللوم والتعنيف وجلد القوّاد لا يعيد إليه ضميره ولا يغسل اسمه من الزنخ والزنا.. ولكني سأجرّ الثورجيين من أذانهم وأجر العرب من عقالاتهم إلى حيث يشرفون على الحقيقة وليس لي أمل بأن يروا حتى وإن فتحت عيونهم.. فالعيون مجرد نوافذ.. ولكن ما نفع النوافذ المفتوحة إذا كانت الستائر السميكة مسدلة عليها.. ستائر العقل مسدلة على النوافذ المفتوحة حتى كأنها ستائر الحديد.

لو سألتم العقل العربي المشلول الذي أغلقت نوافذه بستائر الحديد من المحيط إلى الخليج عما يحدث الآن من تحركات في المنطقة لبدت عليه البلاهة والحيرة.. مثل هذا العقل تركله الأقدام من عاصمة إلى أخرى.. فمرة تركله استانبول ومرة الدوحة ومرة تمرره لندن إلى واشنطن التي تمرره إلى إسرائيل فتسدد به ضرباتها وأهدافها.. عقول العرب محنطة وتركل مثل كرة القدم لأنها عقول صارت محنطة تحنيطا شديدا.. عقل الثورجيين السوريين يبز رأس رمسيس الثاني المحنط جفافا.. تركله الأقدام منذ سنتين وتقنعه منذ سنتين أن من يفجر أحياء دمشق وحلب وسورية هي المخابرات السورية.. وأن من يقتل قادتها وضباطها وعلماءها وشيوخها وأئمتها ويفجر مساجدها هي المخابرات السورية.. وأرى هذا العقل المحنط في الرسائل الشرسة التي يرسلها لي ثورجيون يجاهدون في الغرب ومنهم أطباء ومهندسون وكتاب وصحفيون يرفقونها بما يسمونه دلائل عقلية على براءة الثورة من دماء الأبرياء.. أو على قصف النظام للمدن بصواريخ سكود بسبب حفرة في الأرض حيث لا يوجد قطعة واحدة من أثر صاروخ سكود العملاق ومحركاته وبراغيه وخزاناته وأجنحته.. (بل فقط الصاروخ حفر الحفرة بمعوله الضخم ورحل كما لو كان شيطانا).. وعقلهم المحنط أوصلهم إلى استنتاج أن من قتل الشيخ البوطي مثلا لا يمكن أن يكون إلا جهاز الأمن السوري ويستدلون بمفاتيح عقلية سألها الفيلسوف فيصل القاسم الذي لبس عباءة الفارابي والشيخ الرئيس ابن سينا.. أسئلة ابن سينا القاسم عن السجادة التي لم تحترق والثريا التي بدت سليمة.. ولكن (ابن سينا) القاسم لمن لا يعرفه أو لم يجلس معه لا يقل انفصاما عن نزلاء مشفى ابن سينا للأمراض العقلية في دمشق واسمه الذي يليق بحلمه وتوازنه هو (فيصم)..

عقل العربي الآن الذي يدوره ويكوّره مثقفو الثورات لا يشبه إلا كرة القدم أو كرة السلة يتقاذفها اللاعبون بأرجلهم وبأيديهم ليسددوا أهدافا.. والوعي العربي الذي يقف كحارس المرمى يبدو مترنحا هذه الأيام مثل شخص خرج من سباحة في بحيرة النبيذ.. وبالطبع حكم المباراة الطاهر الشريف والمخلص النقي والرشيق هو حمد بن خليفة يساعده على التماس حمد بن جاسم ونبيل العربي.. وفريق إسرائيل والغرب وتركيا هو الذي يهاجم.. وقد سدد الخصوم خمسة أهداف نظيفة في شباكنا.. هدف واحد فقط من هجمة مرتدة في (العراق) والبقية من ضربات جزاء قررها الحكام الشرفاء بحجة مخالفة الحرية والديمقراطية (ليبيا وتونس ومصر واليمن).. وما يفعله مثقفو العرب في هذه المباراة غالبا هو رفع سقف المرمى وتوسيع حدوده لكي تسجل الأمم الأخرى الأهداف فيما حارس المرمى (الوعي) دائخ بالنبيذ الثوري الإسلامي الذي توزعه قطر.. الهدف الثمين وهدف الفوز هو الهدف السادس السوري الذي يريد اللاعبون تسجيله.. ويقرر الحكم ضربات الجزاء المتلاحقة ولكن اللاعب السوري وحارس المرمى السوري يرد كل التسديدات.. إحدى زجاجات النبيذ الثوري التي سكبتها قطر في كؤوس العرب هي زجاجة نبيذ من ماركة (معاذ الخطيب) الذي لا يشبهه إلا وليد جنبلاط في تكويعاته وتذبذباته وسكراته وتراجعاته.. قطفت عناقيد "معاذ" من دوالي الائتلاف المزروعة في تركيا وتم تخميره وخلطه بيانسون الأتاسي في حفل قمة الجامعة العربية التي بدت مؤتمرا تطبيقيا لجهاد النكاح.. الكل ينكح في الكل.. ولا فرق بين الناكح والمنكوح في الجهاد الثوري..

******

كما قلت فإنني لا أحب إسداء النصائح لمن له عقل ثور.. بل صرت أحب أن أرى الثيران في مصارعة الثيران تندفع وراء قماش وتثير الغبار.. فلا فائدة من إسداء النصح لثور أو "ثورة".. والأفضل ترك العقل الثوري المحنط يندفع بقرونه ليرى أنه يناطح شجر السنديان الضخم.. فالقرون القوية تكسرها جذوع السنديان.. عقل الثيران المحنط لم يعرف لماذا صالح أردوغان الأكراد وصالح الإسرائيليين.. والعقل المحنط رأى في ذلك بداية هجوم نهائي على النظام في سورية وابتهج وابرنشق وهو يرى نجيب ميقاتي يستقيل ممهدا الطريق إلى إنهاء الدولة السورية.. وانتشى واهتز وهو يرى الثورجيين يسيرون على ضفاف الجولان لمحاربة الجيش السوري.. وبدا في حالة عدم تصديق وهو يرى معاذ الخطيب يسكبه أمير قطر في كؤوس الجامعة العربية ويملأ الأنخاب بأجساد هيتو والأتاسي.. ويشربهم قطرة قطرة.. بعد أن عصر عنب الائتلاف..

ربما سيصاب الثورجيون بالذهول ويفتحون أفواههم وهم يسمعون مالا يحبون أن يسمعوا.. ولكنني قرأته طازجا من وثائق غربية وتركية قلقة ووضعته للتحقيق أمام شخصيات في غاية الحصافة وأعرف من تجربتي معها تمام المعرفة أنها قلما تتكلم ما لم يكن الأمر جديا.. وقد طرحت هذه الشخصيات أسئلة مقتضبة فيها قلق كبير وفي سياق الحوار تدفقت الإجابات.. فالسؤالان الكبيران هما: لماذا صالح أردوغان الأكراد فجأة ولماذا تنازل عن مسرحية المناضل فاتح غزة المناهض للصهيونية فجأة أيضا وصالح الإسرائيليين؟؟.. وما هو السر الغريب في هذا الصمت المريب لمحور المقاومة إزاء كل هذه الأحداث؟؟.

من ينظر إلى المشهد بعين الثور ويحلل بعقل الثورجي يعتقد أن الثورة قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى غايتها وأن أعداء سورية يحاصرونها من كل جانب وسيطبقون عليها بين عشية وضحاها.. فأردوغان الذكي المغامر البطل مناور سياسي رفيع وهو يهيئ الساحة لمغامراته وفتوحاته بالتخفف من أثقاله الكردية.. لكن الحقيقة هي أن أردوغان بعروضه السخية على الأكراد إنما يقرأ الواقع الحقيقي المفاجئ ولو كانت قراءته متأخرة.. وهي أن مشروع تحطيم الدولة السورية وتبديل نظامها قد ذهب بلا رجعة باعتراف أردوغان غير المباشر عبر تحركه السريع نحو الأكراد وإسرائيل وتقهقره في المسألة الكردية.. ويجب عليه منذ الآن اتخاذ الاحتياطات لمرحلة ما بعد الثورة السورية وليس لمرحلة ما بعد الأسد -كما يحب الإعلام العربي أن يردد- بل لمرحلة الشرق الأوسط مع الرئيس بشار الأسد ومحوره.. فالباشا رجب قدم تنازلات لحزب العمال الكردستاني لم يقدمها رجل في تاريخ تركيا.. والرجل فجأة ودون سابق إنذار ارتمى في حضن الأكراد وبدأ مصالحة معه وشرع يقدم هذه التنازلات للأكراد رغم أنه نادى بإعدام أوجلان قبل سنتين من الآن ورفض الاعتراف بالأكراد عبر عقود وحاربهم عقودا وفجأة ترنح عناده وهوى.. والرجل ليس مضطرا لكل هذا التقهقر في الملف الكردي لو أنه كان يجني الانتصارات في الملف السوري الذي يبدو أنه سيغلق دوليا.. المنتصر في سورية سينتصر في كردستان.. والمتقهقر في سورية سيتقهقر في كردستان..

وحسب آراء تركية عديدة فإن الأتراك يدركون أن حزب العمال الكردستاني قد يوقف نزاعه مع تركيا مرحليا ولكنه لن يتورط بجسمه في الصراع السوري لأن ما يضمن بقاء اتفاق أردوغان معه صامدا هو بقاء النظام السوري وليس سقوطه.. كما أن حزب العمال لا يريد توفير دمائه في تركيا ليفقدها في حرب في سورية وهو يدرك أن التورط العسكري في النزاع السوري قد يضعف الجسم العسكري للحزب ويفتح شهية الأتراك لالتهامه وهو جريح.. والأكراد يدركون أن تعهد أردوغان وتودده لهم باقيان ما بقي نظام الأسد على بواباته الجنوبية.. وغياب الأسد سيغري أردوغان بالانقلاب على تعهداته الكردية وهو الشهير بطعناته وغدره لدى الجميع.. والأكراد يعرفون أيضا أن استدراجهم لحكم ذاتي في الشمال السوري مزحة ثقيلة جدا لأن القوميين الأتراك سيشنقون أردوغان إن حدث هذا أو سمح به فهذا سيكون أول مرحلة للإجهاز على تركيا نفسها.. ولأن ذلك الحكم الذاتي ليس على غرار حكم مسعود البرزاني فالأنف الكردي في الشمال السوري سيعطس فورا في فم تركيا والعدوى ستصل سريعا إلى أكراد تركيا خلال خمس سنوات.. ولن يقبل أكراد تركيا بما هو أقل مما حصل عليه جيرانهم في العراق وسورية.. يعني هذا أن دولة كردية تدق على باب الباب العالي بقوة وتنظر إليه من نوافذ قصره وتبتسم.. بل وتريح ساقيها على حافة قبر أتاتورك وتجلس عليه..

والرجل ارتمى في حضن إسرائيل ولم تفعل شيئا من شروطه إلا تقديم اعتذار صوتي مجوف وقدمته بطلب شخصي وإلحاح من أوباما ليحفظ ماء وجه أردوغان وقد قبضت ثمن الاعتذار فورا.. وأردوغان بهذا لا يتصرف تصرف سياسي منتصر بل تصرف سياسي مهزوز يريد أن يحتاط من أيام قادمة بالتحالف مع إسرائيل لضمان مساعدة حليف له في المنطقة.. بل إن حفلة الرقص والطرب العربي التي أقيمت لإنجاز أردوغان والتي توّجها المنشد "إسماعيل هنية" تؤشر على مدى الحاجة للتشويش على صراخ الأسئلة الحقيقية عن سبب هذه القرابين التي يضحي بها أردوغان.. ولا يغرنكم تغريد المنشد إسماعيل هنية الذي تسرب من أوساط فلسطينية من داخل حماس أنه تم استدعاؤه وإبلاغه بحاجة أردوغان لصوته.. كما أنه تلقى أمرا مماثلا من الدوحة (مثل أي موظف) لمساعدة أردوغان ليكسب نقاطا.. ذلك لأن عرض أردوغان على الأكراد لقي نظرات عدم الرضا التي تتردد بين القوميين والطورانيين الأتراك.. كما أحاطت به نظرات الحرج من عيون الثوار العرب الذين كانوا يستعملون تمثيليته الشهيرة قبالة غزة لتسويقه وليسقوننا مرق أسطول الحرية كلما شككنا بأردوغان.. مرق اللحم التركي قبالة غزة صار أشبه بالماء من كثرة إعادة طبخه وتوزيعه وسكبه يوميا في أطباق الحساء الثوري كل مساء.. ذاب اللحم من كثرة الطبخ والسكب ولم يبق في قاع وعاء المسرحية سوى العظم المجرد.. ولذلك ظهر هنية للتبرع بلحم الفلسطينيين في القدر العثماني.. ولا يستبعد أن يكشف عن صورة يظهر هنية فيها وهو يقبل يد أردوغان في إقرار وعرفان بالجميل ليزيد في شعبية الباشا.. فهنية لا يجيد سوى تقبيل الأيدي وهو راكع.. والقائد الذي يقبل الأيدي لا يصح منه أن يتحدث عن إذلال إسرائيل وتركيعها على يد أردوغان.. فالذليل لا يحاضر في معنى الانتصاب بل في معنى الركوع.. ووظيفة إسماعيل هنية وخالد مشعل تحولت من مقاومين إلى عاملي تنظيفات وتشريفات ومراسم الشرق الأوسط.. فهما ينظفان الشوارع السياسية من قاذورات السياسيين ويعملان في المراسم والتشريفات للسياسيين براتب معلوم.. وبهما تحولت حماس من علبة رصاص إلى علبة ماكياج للمشاريع الفاشلة.. فيها أحمر الشفاه بدل الدم.. والمساحيق بدل البارود.. وصوت تقبيل الأيدي بدل صوت الصواريخ.

مناورات إسرائيل:

إسرائيل التي تتبجح كل يوم وتسرب أن الجيش السوري قد خرج من المعادلة وتزغرد معلنة قدوم عهد ما بعد الأسد تتصرف بعكس هذا المنطق تماما.. فهي تسور نفسها بالجهاديين والإسلاميين.. وقد ساعدت في رسم حزام جهادي رفيع بطول 25 كم بين القنيطرة والجولان آملة أن يمتد إلى مسافة 80 كم هي طول الحدود الجولانية.. ثم عززت ذلك بنصب بطاريات باتريوت.. والسؤال هنا.. هل بطاريات الباتريوت في الجولان لإسقاط صواريخ جبهة النصرة أم صواريخ الجيش الحر الذي تعهدت قياداته بالتخلص من المخزون الصاروخي والكيماوي السوري وقصم ظهر عديد الجيش السوري في حال وصولها إلى السلطة!! لا صواريخ تخيف إسرائيل إلا صواريخ الجيش العربي السوري الذي تروّج إسرائيل أنه قد خرج من المعركة فإذا بها تستعد لملاقاته بالباتريوت!! وإذا كانت إسرائيل تريد الهبوط عن الهضبة نحو دمشق لإسقاطها في عملية منسقة مع تركيا أو الناتو مستقبلا فلماذا تسور نفسها بالجهاديين إن كانت تخشاهم بدل ترك المنطقة خالية من كل شاغل لها؟؟.. هذا الحزام الجهادي هو نسخة طبق الأصل عن نسخة جيش لبنان الجنوبي الذي شكلته إسرائيل في الماضي لأنها تستعد لمرحلة بقاء الأسد الذي سيستدير إليها حال انتهائه من المسلحين.. ليجد في وجهه جيش سورية الحر الجنوبي.. وهو المنطقة العازلة التي تنوي إسرائيل بناءها.. هذا أيضا دليل قاطع على أن إسرائيل تهيئ نفسها ليس لمرحلة ما بعد الأسد بل ما بعد انتهاء الثورة.. ثورة الأرملة السوداء..

ومما يلفت النظر في مشهد اليوم ويجر الأسئلة من أذنيها إلينا هو الصمت المريب الذي يلتزمه محور المقاومة.. تعذر هذا الصمت المريب على الفهم ولكنه سبب من أسباب القلق العميق في عواصم الشرق والغرب.. وهو أحد أسباب اطمئنان الكثيرين وأنا منهم.. فحتى هذه اللحظة ورغم كل استفزازات الثورجيين لم يتحرك حزب الله ولم تتحرك إيران رغم كل ما قيل وما سيق من اتهامات بالانخراط في الأحداث وقد عجز كل رهط الثورجيين عن الإتيان بدليل قاطع على ذلك مثل تصوير مشاة إيرانيين يرتدون الزي العسكري ويتحدثون في أحد شوارع مدينة سورية..

إذاً لايزال تحرك محور المقاومة بعيدا عن الانفعال وعن الانخراط في الحدث رغم أن منطق الأشياء يقول بأن سقوط سورية يعني بالمطلق انهيار حزب الله وهو الغاية الرئيسية من الربيع السوري.. وسقوط حزب الله وسورية يعني تآكل ردع إيران وانكفاءها خلف الأسوار لأن الموجة الإسلامية الطائفية ستتوجه لها.. وانكفاؤها خلف شط العرب يعني الاختناق بانقطاع الأكسجين.. فهي عندها محاصرة من كل الجهات.. وقصبة الهواء التي كانت تصل بين رئتيها والهواء هي سورية وحزب الله..

فإذا كان حزب الله وإيران يريان أن الوضع العسكري السوري مقلقل فلن يترددا في دخول المعركة لأنها لحظة حياة أو موت لهما.. وقد رأينا جميعا في حرب لبنان عام 1982 عندما دمرت الدفاعات الجوية السورية في لبنان وسقطت 80 طائرة سورية واندفع شارون نحو محاور قد يصل منها إلى دمشق كيف قبل السوريون بالجنود الإيرانيين والمتطوعين الذين تدفقوا للمشاركة في قتال الجيش الإسرائيلي وإيقافه في لبنان وهو يجتاح الجنوب اللبناني ويتقدم نحو بيروت.. ورأيت قوافل الجنود الإيرانيين وطوابيرهم بنفسي في شوارع دمشق وهم يتوجهون للقتال في لبنان آنذاك.. ولكن الوضع العسكري السوري الحقيقي الآن في الأحداث السورية لايزال في منتهى البأس.. وإلا لوجدنا فرقا عسكرية إيرانية حول دمشق لحمايتها وعلى حدودنا مع تركيا.. ولن نحاول إخفاء ذلك عندها لأنها قضية حياة أو موت وطن.. وما يتسرب هو أن القيادة العسكرية الإيرانية عرضت في غير مرة إرسال فرق كاملة على ضفاف الجولان تحديدا ولتشكل عامل توازن ورعب لمنع أي مغامرة إسرائيلية لمساندة التمرد عسكريا ولكن الجواب السوري كان الثقة المطلقة بالإمكانات العسكرية السورية في ظل دعم روسي لا يتوقف.. ويحضرني هنا قول عسكري سوري رفيع يقول إن ما لدينا يبعث على الاطمئنان الشديد رغم كل ما يقال..

الحليف الروسي الذي لا أحد يعرف كيف يتحرك ينظر إلى سورية ليس على أنها مجرد قاعدة بحرية في طرطوس لأن الثورجيين ذهبوا إلى موسكو وعرضوا تأجير كل ميناء طرطوس للبحرية الروسية لمدة 99 سنة (وسماها أحد قادة المعارضة بعبقريته "عرض هونغ كونغ" الذي تم احترامه لأنه يشبه عرض تأجير الصين لمستعمرة هونغ كونغ للتاج البريطاني لمدة 99 عاما انتهت منذ عدة سنوات وعادت إلى السيادة الصينية).. الروس يرون في سورية أكبر حاملة طائرات ثابتة على الأرض وفي ظل أكثر فترات الفتور بين سورية وروسيا في عهد بوريس يلتسين فإن الجنرالات الروس كانوا يحذرون قيادتهم من خطيئة خسارة الموقع السوري.. علاوة على أن الموجة الإسلامية إن تدفقت إلى دمشق فإنها ستتدفق في الفناء الروسي الإسلامي وفي داخل الحديقة الأمنية الروسية.. والروس سيمنعون سقوط الدولة السورية بالقوة والحالة الوحيدة التي لا يستطيعون مواجهتها هي سقوط النظام الحالي بالانتخابات.

ولكن لماذا لا تتفجر الحرب بين سورية وحلفائها من جهة وإسرائيل وتركيا وحلفائها من جهة أخرى؟؟ يقال ويتردد كثيرا أن الجواب هو في معادلة دولية وتفاهم دولي تعهد فيه الروس بعدم دعم مهاجمة إسرائيل (ما لم تبادر هي إلى الهجوم المباشر عندها سيوفر الروس مظلة واسعة للرد السوري) وتعهد الأمريكيون بعدم السماح بتدحرج الناتو وتركيا إلى النزاع السوري مباشرة.. ولذلك بقيت إسرائيل في حالة استرخاء رغم كل نداءات الوطنيين السوريين لشن هجوم على أقوى محركات التمرد الثوري في تل أبيب وبقي أردوغان يجعجع وهو مطمئن إلى أنه محصن من الغضب السوري ومحوره لأنه لم يدخل مباشرة في النزاع.. وبقيت تلك الإطلالة الجوية الإسرائيلية الخاطفة ولثوان في غارة جمرايا أقل من مستوى الانخراط المباشر في الحرب حسب توصيفات (التفاهم) والفهم الروسي وهو الذي لجم الرد السوري حتى الآن كما يقال.. والغريب الذي يفاجئ كل المطلعين هو أن الحرب حتى هذه اللحظة إن حدثت فستكون كارثة على إسرائيل.. حالة يتحرق إليها صناع القرار من طهران إلى مارون الراس مرورا بدمشق ويتحرقون لخروج إسرائيل من مظلة التفاهم الدولي التي تحميها حتى هذه اللحظة.. ولكن إسرائيل لن تخرج من تحت المظلة.. ومن هنا نفهم حالة الصمت المريب لمحور يصمت كثيرا وعندما يتكلم تسقط الجيوش التي لا تقهر.. إنه صمت الأقوياء الذين يعرفون متى يتحركون.. ويعرفون ماذا لديهم..

لذلك فإن التكتيك الثوري الحالي يقوم على خلق حالة من النقمة الداخلية على الدولة السورية وإحراجها عبر المذابح المقصودة وقتل المدنيين بالسيارات المفخخة وبقنابل الهاون وبعض القذائف الصاروخية وهي اقتراح إسرائيلي منبثق من العقيدة الإسرائيلية التي تقضي بأن يتم إرهاق المدنيين فيتذمرون ويضغطون على الحكومات لتلبية مطالب بعينها.. سياسة طبقتها إسرائيل في لبنان ضد حزب الله والفلسطينيين.. فعند أي هجوم على هدف إسرائيلي كانت إسرائيل تشن غارة انتقامية على بيروت وتدمر محطات الكهرباء والوقود وتقصف منشآت مدنية.. فيضطر المقاتلون للاستجابة للضغط الشعبي بالتوقف عن استفزاز إسرائيل حتى نشأ تيار كامل في لبنان من الطابور الخامس الذي بحجة حرصه على لبنان فإنه يريد تجريد المقاومة من سلاحها كيلا يبقى ذريعة إسرائيلية للهجوم.. يتمنى القتلة أن يصل الشارع السوري إلى محاولة خلق نفور من القيادة الحالية وبروز شخصية سورية تنسب لها البطولة وتلمع.. ويجتهد الثورجيون كثيرا في صفوف الموالاة ويلبسون لباس الموالاة وينشرون تأففهم وتذمرهم بل ويعتقدون أن زعزعة الطوائف وشقها قد ينجح عبر دفع شخصيات ومؤتمرات الطوائف لإنهاض دعوات تمرد تتهم الأسد باللين.. لكن كل ذلك فاشل سلفا لأن السوريين لا ينظرون إلى القضية إلا على أنها قضية كرامة وطنية خالصة.. فمثلا كان من المهين لجميع السوريين دون استثناء أن يتم تعيين رئيسهم معاذ في قطر ورئيس وزرائهم هيتو في واشنطن.. بل وربما سيفاجأ الجميع أن السوريين أحسوا بالاعتزاز بدولتهم ورئيسهم بعد مؤتمر القمة العربي في الدوحة لأنه إن كان هناك من وصف يستحق أن يطلق على قمة العرب الأخيرة رغم ما فيها من "عقود النكاح الجهادي" فإنه بلا شك (قمة الرئيس بشار الأسد).. طبعا لا داعي للإشارة إلى أن كل الديكورات اللفظية عن القضية الفلسطينية والمليارات والتنديد بإسرائيل هي من لزوميات بيانات الجامعة العربية.. وغيابها عن ثرثرات العرب هو مؤشر على غياب النفاق لدى العرب وهذا محال.. لأن العرب لا يتخلون عن نفاقهم.. وهم لا يتخلون عن شراشف فلسطين للتغطية على الغاية النهائية من هذا المؤتمر.. والغاية هي الرجل الذي ملأ قصور الخليج العربي همّاً وغمّاً.. ودخل في كوابيسهم.. وتسبب في تعكر أمزجة السلاطين والدول.. هذا الرجل الذي تقف أنابيب الغاز العالمي والخرائط الجيوسياسية وسنوات نفوذ القرن الحادي والعشرين لتعرف طريق رحلتها.. تنتظر إذنه لتعرف طريق سيرها وموانئها.. وبسبب هذا الرجل لا يستقر ربيع العنكبوت..

الرجل الغائب عن القمة كان هو القمة.. اجتمعت كل هذه الدول وكل هؤلاء القبضايات العرب من أجل رجل واحد.. فليس في قرارات القمة وشكلياتها وبيانها أي فرق منذ 60 عاما إلا ما يتعلق بهذا الرئيس.. وأتحداكم لو سألتم أي مواطن عربي من المحيط إلى الخليج استمع إلى البيان الذي قرأه بن حلي إن كان يذكر كلمة واحدة فيه فإنه لن يتذكر كلمة واحدة فيه سوى ما ذكر عن سورية وهي بشكل مبطن ما قصد به الرئيس الأسد.. وهذا دليل على أن القمة هي قمة الرئيس الأسد وسورية..

غياب القادة الكبار عن القمم يجعلها لقاء للسكر والعربدة والحفلات القاصفة.. وربما كان هذا الوصف هو قلب الحقيقة وسيصيب البعض بالمرارة والغضب.. فرغم الحرص الشديد على تغييب اسم الأسد.. فكل هذا المهرجان وكل هؤلاء القبضايات وبالرغم من كل الإضافات اللفظية والنشاطات الجانبية للعرب فإن من السذاجة إنكار أن هذه القمة عقدت من أجل رجل واحد.. هو الرئيس بشار الأسد.. الذي لاشك كان في مكتبه الرئاسي يشرب قهوته الساخنة في تلك الساعة بالذات التي كان المجتمعون فيها يثرثرون ويخططون ويطلبون الناتو.. وهو يقلب بين يديه تفاصيل حاسمة عن النقاط الرئيسية في فض عروض اتفاق الشرق الأوسط الجديد الذي سيخيب أمل الثورجيين وعربان الخليج كثيرا.. ولو رآها المجتمعون في الدوحة لأقفلوا دوحتهم بالشمع الأحمر وعادوا.. لأن الاتفاق عليها إن تم فعلا سيجعل الأفواه الثورية تتدلى.. كثيرا.. وعيون العناكب تجحظ.. كثيراً!!

 

جهينة نيوز

0 2013-03-31 | 14:38:50
 

القائمة البريدية
اشتراك
إلغاء الاشتراك
شكاوي اون لاين
http://www.
جميع الحقوق محفوظة لموقع زنوبيا الاخباري © 2024
Powered by Ten-neT.biz © 2006 - 2024