http://www.
http://www.
http://www.
http://www.
http://www.
http://www.
https://www.facebook.com/media.lama.abbas
أرشيف وجهات نظر وجهات نظر
ما أجملك أيتها الحرب.. يا قنبلة في قلبي!!
نارام سرجون
ما أجملك أيتها الحرب.. يا قنبلة في قلبي!!

هذه هي المرة الثانية التي أشتهي فيها الحرب.. شهيتي مفتوحة للحرب بعد أن فقدت شهيتي للبكاء.. يا إله الحرب انهض.. كل حروب الدنيا حمقاء وكل الحروب مجنونة وكل الحروب جرائم.. إلا هذه الحرب التي تتوق إليها نفسي وتتوسلها عيوني.. والتي تتفتق من تحت مسامي.. فقلبي صار قنبلة كبيرة موقوتة وضرباته هي دقات ساعة التوقيت.. والدم الذي يغلي في العروق جف وصار بارودا.. وأصابعي تشتعل كالديناميت حتى صرت لا أقدر على الكتابة.. بل عار على القلم أن يكتب إذا كانت الأصابع التي تمسكه أصابع ديناميت تشتعل فتائلها.. والقلب الذي يوحي إليه قنبلة تسمع تكاتها.. وعندما تتفتق جلود الرجال غضبا.. ويصبح دمهم بارودا.. وقلوبهم ساعات توقيت للقنابل.. فلا بد من الحرب..

لا أخفيكم أنني في مثل هذه الظروف أفضل ألا أستمع للكثير من المحللين العقلاء الذين يخوضون في الشأن السوري ولا أستثني منهم الخبراء والناطقين باسم الدولة السورية.. ليس لأنني لا أثق بهم لكن لأني أخشى أنهم كما في السابق ربما يجنحون أحيانا بالحوار والجواب إلى ضفاف وموانئ لاتهمنا من قبيل (الرد في الزمن المناسب والوقت المناسب) و(العدو يصدر أزماته) و(الحكمة وضبط النفس).. الذي يدور ولا يتغير أكثر من (لأن إسرائيل تثبت أنها دولة عدوانية).. وكأن في عدوانية إسرائيل شيئا جديدا.. وبعضهم يعتقد أن نبرة الصراخ قد تهدئ السؤال الجامح فإذا بالصراخ يستفز بقية الأسئلة التي تثور وتدق بحوافرها على صدى صراخه..

ولكنني لاشك لا أعير محللي العرب والمعارضة السورية أي اهتمام لأن هؤلاء الطبالين مجرد عرائس في مسرح العرائس.. وفي مسرح العرائس لاشيء حقيقي على الإطلاق.. وبالطبع سيقول هؤلاء ما يقولون عن السخرية من الدولة الوطنية السورية واستفزازها والشماتة بها والتساؤل عن غياب الطيران والصواريخ.. وتذكيرنا بأربعين سنة هدوء في الجولان واتهامات العمالة وتجرؤنا على مواطنينا العزل (المسلحين بالسكاكين والدوشكا فقط) وسكوتنا عن اهانات إسرائيل..

هذه الغارة لم تكن غارة عادية على مبنى عادي بل غارة على عقول السوريين لإلقائها في اللاأدرية والشك.. فألقت مئات حواضن القنابل العنقودية المحملة بأسئلة كالقنابل والتي انتشرت في زوايا وأركان الأعصاب فأصابت الجميع بالحيرة.. وضربت مراكز التحليل في العقول وفك الشفرات في الدماغ.. فانتشر الغموض..وتحولت أدمغتنا إلى حقول مليئة بالشوك والأسلاك الشائكة كلما خطونا فيها لسعتنا وخزات الإبر وانغرزت الأسلاك في أصابعنا وأدمتها وانغرزت في أعصابنا لتزيد حيرتنا ومن لسعات الكهرباء..

لم أقدر أن أحصي الأسئلة التي سقطت على عقلي من تلك الغارة.. كان عقلي يشبه أرضا تتعرض للقصف بقاذفات ب 52 الأمريكية التي تنطلق عادة من قاعدة العيديد القطرية.. ولكنها بالمجمل أسئلة تتمحور حول مجموعة عناوين وتتفرع من جذوع كبيرة.. فما هي طبيعة الهدف الذي قصف؟ ولماذا الآن بالذات؟ وهل لتوقيته علاقة بالأزمة السورية؟ وهل هو اختبار؟ وهل هو تحد واستفزاز؟ هل يريد أن يقول إن الجيش السوري ضعيف أو بدأ يضعف؟ هل تقدر سورية على الحرب الآن؟ هل يدرك الإسرائيلي ماذا يعني تحرشه ويعرف أن السوريين صاروا عاجزين عن الرد؟؟ كيف حصلت الثغرة الجوية والاختراق؟ هل هناك غيرها؟ هل من الممكن أن تكون إسرائيل تستعد الآن للحرب؟؟ هل يجب على السوريين أن يردوا؟؟ أم عليهم أن يختاروا الزمان والمكان المناسب كما العادة حيث لم يأت أي زمان وأي مكان مناسبان؟؟ هل كان من الممكن استهداف القصر الرئاسي السوري؟؟ هل للأمر علاقة بما قيل عن أسر مجموعة عمل إسرائيلية في داريا وكان الجيش يعمل بدقة على أسرها بدل قتلها بهجوم عشوائي على المسلحين؟؟ لماذا عاد أيهود باراك على عجل من منتدى دافوس وقطع رحلته منذ يومين؟ لماذا تعجل نتنياهو الاتصال بموسكو منذ يومين بحجة الأسلحة الكيماوية السورية؟ وماذا بعد؟؟ وهناك مئة لماذا.. وألف هل.. وعشرون ألف كيف.. ومئة ألف إشارة استفهام لا يسبقها سؤال ولا يتبعها جواب بل إشارات تعجب.. ونقاط في الفراغ..

في الحقيقة أنني بعد أن نظرت إلى المشهد العام وجمعت شظايا المعلومات المتناثرة كالزجاج المهشم منذ أسابيع.. لم أجد الصورة كما كنت تخيلتها عند هجوم الأسئلة علي وعند غارات الحيرة على مراكز التحليل في دماغي.. بل على العكس أن السؤال الذي يشبه حمالة المفاتيح وتبدأ منه مفاتيح الأسئلة بالإفصاح عن أماكنها هو: لماذا هذا التوقيت بالذات؟.. وتتهاوى الأسئلة على بعضها مثل حجارة الدومينو عند إسقاط هذا السؤال على غيره من الأسئلة.. ففي هذا السؤال ربما تختبئ الأسرار.. وربما تتدفق الأنهار.. لتروي حقول الفضول الظمأى..

إن ما تقوله الغارة شيء مغاير لما نعتقد..فالبعض يعتقد أن إسرائيل صارت مدركة لوهن النظام وهاهي تتحرش به وهو يرتعش ويهتز بجذعه المنخور وتدفعه إسرائيل دفعة نهائية نحو النهاية.. لكن الحقيقة التي لا يجب أن نتملقها ولا أن نزدريها هي أن العمل الإسرائيلي يشير بشدة إلى أن مشروع إسقاط النظام السوري ربما قد اقترب من لفظ أنفاسه الأخيرة عسكريا.. وأن هناك سباقا مع الزمن بين إسرائيل وحلفائها من جهة وبين سورية وحلفائها من جهة أخرى.. فالمعطيات الدولية تشير لتقارب وجهات النظر الكبرى حول التخلي عن المعارضة السورية والتخلي عن إسقاط نظام دمشق.. ولكن الأهم هو المؤشرات الميدانية التي تشير إلى تقهقر كبير في إمكانات المسلحين وطرق إمدادهم ووقوع خرائط الإمدادات والاتصالات والشبكات الرئيسية في يد الجيش السوري الذي كلفه إعدادها كل هذا الصبر والتريث والنفس الطويل.. وهناك على الأرض تحركات قوات النخبة السورية وعديدها بعشرات الآلاف والتي تلقت مؤخرا تدريبا مكثفا ونوعيا على قتال الشوارع والكوماندوس والتي يقال إنها ستحسم في حلب وادلب نهائيا وتقطع حبل السرة التركي عن المسلحين.. ولذلك بعث الائتلاف المعارض برسالة معاذ الخطيب الجاهز للتفاوض (وقام الائتلاف بتمثيلية التنكر لها)..

وربما تريد إسرائيل إشغال الجيش السوري وقوات النخبة عن التحرك القوي شمالا بإبقائه في حالة تنبه في الجنوب بسبب احتمال الحرب.. ورسالة إسرائيل بأن التحرك شمالا لم يعد مأمونا لأن إسرائيل لن تترك المعارضة السورية تتلقى الهزيمة النهائية.. وقد تتدخل بالحرب جنوبا.. والملاحظ أن الغارة الإسرائيلية أعقبت أخبار تجهيز المجموعة الثانية من صواريخ الباتريوت في تركيا منذ يومين كمؤشر على أن حرب سورية ستكون على جبهتين أن اشتعلت.. شمالا وجنوبا.. وتشير بعض الملاحظات الإستراتيجية إلى أن الجيش السوري يضع في حسبانه دوما أن تفاجئه إسرائيل جنوبا ليتمكن المسلحون وتركيا في الشمال من التمدد أكثر في حلب وادلب وإعلان منطقة محررة واسعة تكون مقر حكومة مؤقتة أو بؤرة منطقة شبه عازلة لا تقرها الأمم المتحدة رسميا لكن يقرها الأمر الواقع حيث ستصل إليها أسلحة كثيرة ومتطوعون كثيرون من العالم الجهادي.. ويصبح التعامل معها شديد الصعوبة وتنطلق منها سياسة الأمر الواقع.. وتكون بمثابة الجرح الذي ينز ويتقيح ومنه تنتشر الغرغرينا والحمى في الجسد السوري.. وهذا ما كان عاملا مهما في تريث الجيش في نقل بعض قدراته الرئيسية شمالا.. حتى تم اكتمال الإعداد منذ فترة وجيزة..

ما يرجح هذا الاحتمال بقوة هو محدودية الضربة فإسرائيل من الواضح أنها لا تريد حربا لأنها أرادت رسالة صوتية كبيرة فعندما تلكأ السوريون في إعلان الخبر لقراءة مغزاه وتحليل محدودية الغارة لم يتحمل الإسرائيليون والأمريكيون هذا التريث وسارعوا إلى الإعلان عنه.. والمقصود بذلك شد انتباه الجميع إلى احتمال لجوء إسرائيل إلى هذا العمل في حال تحركت قوات النخبة إلى الشمال.. وتضع إسرائيل في حسبانها أن السوريين ليسوا في وارد أولوية الاشتباك مع إسرائيل في وجود خنجر تركيا في الظهر السوري والسم الإسلامي الجهادي في بعض بؤر الجسد السوري.. وأن الحرب مع إسرائيل كانت على رأس الاستراتيجيات العسكرية السورية ولم تسقط لكن جبهة النصرة واردوغان والمعارضة المسلحة أصرت بسلوكها العنيف على دفعها جانبا للحلول محلها.. فماذا تريد إسرائيل من الحرب على سورية أكثر مما تفعله الآن تركيا وجبهة النصرة والإخوان المسلمون؟؟ فهؤلاء يريدون الحكم وبناء المساجد فقط دون استراتيجيات مواجهة مع الغرب.. وهم يريدون هدم الجيش السوري وتسليم سلاحه وتخفيض عديد الجيش إلى 50 ألف مقاتل يعملون في التشريفات الرئاسية وفرق العزف العسكري والعروض..ولذلك تحولت جبهة النصرة والإخوان المسلمون إلى فرقة إسرائيلية خاصة يجب على الجيش السوري تدميرها كما لو أنها تخضع مباشرة لأوامر قائد الأركان الإسرائيلي لأن هدف هذه المجموعات يتطابق مع هدف العدو الإسرائيلي.. فاستحقت أن تعامل مثله..

محدودية الضربة مؤشر قوي على أن إسرائيل لا تريد اختبار الجيش السوري فهي تعرف أن إمكاناته الإستراتيجية وأذرعه الضاربة الصاروخية لاتزال في منتهى القوة والبأس وإن انفلتت هذه الأذرع فالحرب مع إسرائيل ستكون شرسة للغاية وبلا حدود وبلا سقوف للضحايا لأن الاحتكاك البري سيكون محدودا لسبب وجيه هو أن إسرائيل لن تغامر برّيا بالنزول عن هضبة الجولان نحو دمشق لأن هذا قد يعني التخلي عن الحماية الطبيعية للجغراقيا للجيش الإسرائيلي بكشفه أمام وحدات سورية برية.. والجيش السوري في هذه الظروف لن يصعد الهضبة.. ولذلك فإن المبارزة ستكون بين الطائرات الإسرائيلية والصواريخ السورية من كافة الأنواع.. ولا أدل على استشعار إسرائيل لقوة الجيش السوري من جعل تحرشها محدودا للغاية ولثوان وفي هدف محدود.. ولو أن الجيش السوري ضعيف لأكملت إسرائيل مهمتها الجوية وألحقتها بغارات تلو الغارات حتى دمرت كل ما يمكنها من السلاح ووحدات الحرس الجمهوري حتى تعيدنا عسكريا إلى (الحديدة) كما يقال في الأمثال الشعبية عن المفلسين من بعد غنى.. وتكررت مفاجأة حزيران عام 1967..

أما الثغرة الجوية التي نفذت منها إسرائيل فهي لا تشكل كبير مفاجأة لأن مثل هذه الثغرات لا ينجو منها جيش في العالم حتى الجيش السوفييتي اخترقه طيار بطائرة شراعية (الألماني ماتياس روست) وهبط فيها في قلب ساحة الكرملين في الثمانينات رغم كل تكنولوجيا الدفاع الجوي حول موسكو.. وحتى إسرائيل نفسها منذ أشهر قليلة فوجئت بطائرة أيوب التي أطلقها حزب الله واخترقت الدفاعات الجوية الإسرائيلية والرادارات وسارت في عمق إسرائيل ولعشرين دقيقة وليس على ضفاف إسرائيل كما في غارة إسرائيل الأخيرة التي كانت على ضفاف سورية ولثوان فقط.. إضافة إلى أن هذا الخرق ممكن دوما خاصة في أجواء وجود معارضة تعمل الآن بمنطق أن عدو عدوي هو صديقي.. فتصادقت استراتيجيا مع إسرائيل بسبب وحدة الهدف والعدو المتمثل في الدولة السورية وصارت تهاجم نقاط الدفاع الجوي وتقدم المعلومات العسكرية بسخاء للأتراك والناتو ومنهم بالطبع إلى الإسرائيليين.. ولكن مراجعة بعض العسكريين الاستراتيجيين لخارطة الغارة تشير إلى احتمال أن الطائرات الإسرائيلية لا تحتاج عبور الحدود بسبب قرب الهدف الذي قصف من لبنان وربما تصل الطائرات إلى ما قبل الحدود وتطلق صواريخها مما يجعلها ضمن الأجواء اللبنانية والصواريخ تستطيع إكمال الرحلة إلى الداخل السوري على بعد بضعة كيلو مترات.. ويبقى البيان العسكري السوري غامضا حيث أشار إلى تسلل الطائرات من تحت مستوى الرادارات.. وهي عبارة غامضة تحتاج إلى تفسير عسكري بسبب تلاصق الحدود السورية اللبنانية.. إلا إذا كانت الطائرات الإسرائيلية كما قال خبير جوي قد عبرت الأجواء من تلك النافذة الرادارية الضيقة لأقل من 15 ثانية وألقت القنابل وعادت مسرعة إلى داخل الأجواء اللبنانية.. وهي فترة قصيرة للغاية لإطلاق المنظومات الدفاعية الجوية وتفعيلها واتخاذ قرار إطلاق القذائف.. وهنا تتم المقارنة بعملية إسقاط المقاتلة التركية قبل أشهر قبالة الشواطئ السورية لأن مدة تحليق الطائرات التركية المسرعة في الأجواء السورية امتدت ربما لدقائق (البعض قال دقيقتين) تم فيها التأكد من الهدف واتجاهه وكان الوقت كافيا للوحدة المرابطة لاتخاذ القرار.. وهنا يطرح سؤال مهم وهو: كم تحتاج الطائرات الإسرائيلية للوصول إلى دمشق من تلك النقطة وهل هناك وقت كاف للدفاع عن دمشق والأهداف الثمينة المعنوية فيها ومنها القصر الرئاسي في هذا الوقت الذي يقل عن دقيقتين.. والجواب هو نعم لأن بعض العسكريين الإسرائيليين قالوا سابقا بأن تحليق طائرات إسرائيلية فوق القصر الرئاسي السوري لم يعد متاحا كما حدث في الماضي بسبب أن الأهداف الحيوية الرئيسية في دمشق مزنّرة منذ عامين بوحدات دفاع جوي قصيرة المدى وشديدة الدقة وبعضها ذو إطلاق ذاتي على الأهداف الجوية المخالفة لشيفرة التعارف العسكري (على مبدأ الباتريوت والقبة الحديدية الإسرائيلية).. وهذا ربما ما يفسر عدم دوام رحلة الاختراق الإسرائيلية إلى العمق السوري لتفادي الوصول إلى المدى المجدي لهذه المنظومات وانسحابها في ثوان من المجال الجوي السوري.. ومع هذا فإن القيادة السورية وضعت في اعتباراتها كل الاحتمالات وهي لن تتصرف بسذاجة بشأن حماية هدف ورمز سيادي وطني سيكون أول هدف لأي اعتداء..

وهناك تفسير لا يبدو ذا قبول كبير ولكنه يتسلح ببراهين سابقة.. فهو يقول إن الغارة قد تكون لاختبار حصولها على شيفرة الدفاعات الجوية السورية من قبل المعارضة السورية وكذلك لمعرفة صحة ما يقال عن وجود تكنولوجيا دفاعية خاصة وصلت حديثا إلى الدفاعات الجوية السورية وتريد إسرائيل التأكد من وجودها بإرسال الطعم الجوي.. فإذا انطلقت الصواريخ الجديدة فهذا يعني أن على إسرائيل أن تتحضر لها في معركة محتملة يخشى أن تنفجر لأي سبب قريبا.. ويستدل صاحب هذا الرأي على تجربة مماثلة قبيل عام 1973 عندما وصلت تقارير سرية لإسرائيل عن نشر شبكة دفاع جوي من طراز سام على الساحل السوري.. فأرسلت إسرائيل 60 طائرة أغارت على المنطقة.. وكان ضباط الدفاع الجوي السوري يطلبون من القيادة السماح بإطلاق الصواريخ لكن الأوامر الحاسمة كانت عدم إطلاق أي صاروخ مهما كان عنف القصف.. واكتفت القيادة بإرسال 12 طائرة مقاتلة لإبعاد الإسرائيليين.. واستنتجت إسرائيل يومها أن ليس في سورية شبكة دفاع جوي ذات شأن وإلا لاستخدمتها في رد غارات عنيفة.. ولكن بعد أسابيع قليلة اندلعت حرب تشرين وفوجئت إسرائيل بالسلاح السري الصاروخي الذي أسقط في يوم واحد 93 طائرة إسرائيلية..

وفي تفسير آخر فإن الغارة الإسرائيلية تبدو للبعض ردة فعل نزقة وعصبية بسبب حساسية بعض المعلومات التي تتحدث عن أسر مجموعة اتصال إسرائيلية في داريا (تنسيقية إسرائيل في الثورة السورية) وتم الربط بين عودة ايهود باراك المفاجئة من دافوس منذ يومين ورسالة نتنياهو العاجلة إلى موسكو التي قيل إنها هددت بالحرب بسبب إلقاء القبض في داريا على مجموعة التنسيق الاستخباراتية الإسرائيلية والتي يقال إن ما نقل عن الرئيس الأسد بإظهار الانجازات العسكرية كان منها احتمال الإعلان عن الأسرى الإسرائيليين الذين لم يقم الإعلام العسكري الإسرائيلي بنفي مزاعم الشائعات والأخبار كما العادة.. وهي ستكون محرجة جدا للحكومة الإسرائيلية داخليا وخارجيا.. وغارة جمرايا هي جرس إنذار حقيقي بجدية التهديد الإسرائيلي وقدرات الجيش الإسرائيلي الذي بحسب رسالة جمرايا قادر متى أشاء على الوصول وإلحاق العقاب بالقيادة السورية في دمشق..

ولكن ما هو رد القيادة السورية؟

عند الحديث مع العسكريين تحس بالراحة لأن العسكري يعترف بالنقاط التي خسرها ليعدد لك النقاط التي كسبها وهو من ضمن ثقافة العقائد العسكرية.. فتجاهل نقاط الضعف والتقليل منها هو مدخل إلى الهزيمة والتركيز عليها هو مدخل حاسم للنصر.. والعسكريون لا يرون في التطاول الإسرائيلي مجرد مداعبة ومغامرة متهورة أو مزاحا ثقيلا.. بل هو خرق عسكري بالمصطلح القتالي وإن كان محدودا.. ولكن ما يطمئن والأكثر راحة هو كم الثقة بالنفس التي تستشعرها من العسكريين.. والشرح بأن طبيعة الخرق كما وصفت ضيقة للغاية والعمق الذي تم فيه ليس مهما لولا أنه اقترب من دمشق.. وكل كيلو متر اقتراب من دمشق يعني عشرة كيلومترات في مدينة أخرى.. لأن دمشق قريبة جدا من حدود الاحتكاك وخاصة الجوي.. ولأن حصتها من الدفاع الجوي ربما هي الأكثف لأسباب مفهومة.. لكن.. وبسبب موقع دمشق القريب جدا من الحدود وسرعة الاقتراب منها فإن عملية حصول مثل هذا الاقتراب الخاطف تبقى متوقعة عسكريا.. لكن التوغل في أعمق من هذه النقاط هو ما يعني الخطر من وجود نقطة رادار عمياء خطرة وطويلة الامتداد.. وهو ما يستبعده العسكريون.. ويعملون دوما على مراجعته.. ويصرون على أن النقطة العمياء إن وجدت لاتزال محدودة.. وهو المدى الذي بقيت فيه الطائرات لثوان فقط..

ومع هذا فإن الكل مجمع على أن القيادة السورية لا يجب أن تلزم الصمت ولا ضبط النفس لأن لديها الروادع التي لجمتها طويلا الدبلوماسية ووسطاء العرب ومن سمي حكماؤهم ووسطاء أردوغان.. وأن عليها اللجوء إلى مجموعة الخيارات الموضوعة دوما كرد على احتمال سيناريو غارة وانتهاك جوي أو عسكري للأرض السورية.. في قيادة الأركان السورية تصنف مجموعة الردود العسكرية إلى محدود ومتوسط وشديد.. والرد الشديد هو عادة حالة إعلان الحرب الشاملة على كل قطاعات العدو العسكرية والمدنية والاقتصادية .. أما المتوسط فخياراته هي في إيلام العدو عسكريا فقط.. والرد المحدود هو في استهداف أهداف لها طابع معنوي بحت..

وبالرغم من أنه لا يمكن التنبؤ بما ستقوم به القيادة السورية فإنه يكاد يكون هناك اتفاق ملفت للنظر أن القيادة السورية حسمت أمرها وقررت سلفا الرد على العدوان المحدود الإسرائيلي برد يتجاوز المتوسط كي تكون الرسالة حاسمة بأن الجيش السوري في هذه الأزمة بالذات ليس مستعدا لإظهار التفهم وممارسة الردود المحدودة بل إن الرد الشديد خيار مطروح لمن أراده..

وأنا لا أعرف كيف ستقدر القيادة السورية الموقف فلديها معطيات لا تتاح دوما ليطلع عليها المهتمون.. ولن أرد بانفعال ولن استجيب لضوابط الحكمة وضبط النفس لأنني أرى أنه يجب على القيادة السورية أن ترد لأن ردها رسالة إلى المسلحين قبل غيرهم فهم أصدقاء وأبناء يهوذا من الحاخامات الإسلاميين ومفاد الرد أن الإرهابي الأكبر وكبير الإرهابيين إسرائيل ليس كبيرا وليس فوق العقاب..

وأنا أتوقع في حال رد فعل إسرائيل بالحرب علينا أن تصل غارات إسرائيل إلى دمشق كما في أي حرب مع قوة عسكرية غربية ولكن من سيمنع صواريخنا عن تل أبيب وعن كل إسرائيل من رأسها حتى أخمص قدميها وفي أصغر ثناياها؟ وإسرائيل وإن سيطرت على السماء فلن تعرف من أين ستثب الصواريخ إليها .. خاصة إذا ما قام حزب الله بالدخول في المعركة.. والسيد حسن نصر الله ليس خالد مشعل بالطبع.. وحسن نصر الله هو قائد فرقة عسكرية "سورية" بقيت في لبنان.. بينما كان خالد مشعل قائد فرقة من المرتزقة حوّل مقاتلي حماس الأحرار بالتدريج إلى مرتزقة يقاتلون في سورية ويعملون في تركيا وقطر كحراس وأخيرا نقلهم إلى مصر لدعم ثورة محمد مرسي وتكليفهم بحماية مقرات الإخوان المسلمين حيث انتقل الآلاف من عناصره إلى مصر لهذه الغاية حيث تدفع لهم قطر مرتبات الحراسة مثلما تدفع مرتبات عناصر شركة بلاكووتر.. وصار اسم حماس هو "بلاك حماس"..أو حماس السوداء..

وممن يخشى من مشاركة تركيا فإن تركيا لا تستطيع خوض الحرب لأن إيران ستخوضها مباشرة.. والأتراك يعرفون ذلك.. وأيديهم مربوطة بسلاسل الجغرافيا القوية..

الحرب شؤم عموما.. ولكنها اليوم الحرب التي ستطرد الشؤم والمتشائمين.. إن اندلعت مهما كانت تكلفتها فإن مكاسبها لا تقدر بثمن.. لأن ليس مدننا من سيحترق بل مدن إسرائيل أيضا وآمال المعارضة السورية وجبهة النصرة.. ومن سيقتل في إسرائيل هو كل من يدعم جبهة النصرة.. إن قيادة جبهة النصرة والإخوان المسلمين هي في إسرائيل وذراعها في حلب..

أوبعد كل هذا ألا تريدون مني أن أتشهى الحرب وأشتهيها كمن "يتشهى وجه من عشقا".. وأن أصلي لا لمنع الحرب بل لاشتعال الحرب.. ومن قال إن الحرب لا تطفئ الحرب؟؟.. فهل أنتم مستعدون للحرب؟؟.

شهيتي مفتوحة للحرب بعد أن فقدت شهيتي للبكاء.. فهل فقدتم مثلي الشهية للبكاء؟؟.. وهل جفت دماؤكم في عروقكم وصارت بارودا؟؟ وهل تسمعون أن ضربات قلوبكم صارت تكات قنبلة موقوتة؟؟ وهل ستنادون معي: يا إله الحرب.. انهض.. انهض.. انهض!!.

الصفحة الشخصية للكاتب

0 2013-01-31 | 20:28:53
 

القائمة البريدية
اشتراك
إلغاء الاشتراك
شكاوي اون لاين
http://www.
جميع الحقوق محفوظة لموقع زنوبيا الاخباري © 2024
Powered by Ten-neT.biz © 2006 - 2024