http://www.
http://www.
http://www.
http://www.
http://www.
http://www.
https://www.facebook.com/media.lama.abbas
أرشيف وجهات نظر وجهات نظر
هجوم زاراداشت المعاكس.. وقوافل الثوار في رأس الرجاء الصالح
نارام سرجون

تستحق مقابلة رياض حجاب مع الجزيرة أن يكون لها عنوان برّاق هو "هكذا تكلم زاراداشت" تيمّناً بكتاب (هكذا تكلم زاراداشت) للفيلسوف فريدريك نيتشه.. ليس لأن المقابلة تضاهي الكتاب.. بل لأن الغاية من المقابلة كانت محاولة لتبرئة قطر والجزيرة والثورة السورية من الجريمة الأخلاقية التي ارتكبتها.. ومحاولة لغسل الدم على أيدي الثوار وشنبات أمير قطر.. باستعمال الكلام الفصل النهائي لزاراداشت الثورة السورية.. رياض حجاب..

لمن لم يسمع مقابلة رياض حجاب على الجزيرة فنصيحتي له بإلحاح أن يسمعها إن أراد أن يعرف المعضلة التي وصلت إليها ما يسمّى الثورة السورية.. والمأزق الأخلاقي للثورجيين.. هذه من أهم المقابلات على الإطلاق التي تظهر أن الثورة مأزومة ومتألمة بشدة وأنها تصارع للبقاء على قيد الحياة أخلاقيا وأن معسكر قطر ومشروع الربيع العربي في سورية بدأ يظهر مؤشرات قوية على أن سورية تنزلق من بين يديه.. وأن مزاج الناس لم يعد كما كان..

وليس أدل على أزمة أخلاقية كبيرة تعيشها الحالة الثورية العربية والسورية تحديدا إلا إطلاق هذا اللقاء بالتقارب مع زيارة أمير قطر وموزته إلى غزة.. فهناك بالتأكيد معضلة جوهرية بدأت تلوح في الأفق تستدعي هجوما مجوقلا لاسترداد السمعة الأخلاقية المتداعية للربيع العربي.. زيارة حمد وموزته تشبه مقابلة الجزيرة مع رياض حجاب من حيث التوظيف والاستثمار كل منهما مرافعة دفاع بطريقة مختلفة.. ويراد بها إثبات مصداقية واسترداد شرف مراق.. ففي غزة يتطهر حمد من رجسه.. وفي الجزيرة يظهر رياض حجاب ليطهر الجزيرة وأميرها.. ويطهر الثورة وأمراء الحرب فيها.. فتعالوا نقرأ في هذين الحدثين العابرين ونسبر أغوار هاتين الخطوتين المتساوقتين والمتناسقتين والمتزامنتين لتحقيق هدف واحد وهو إنقاذ الربيع العربي وقائده القطري من سمعته السيئة.. وإنقاذ "الثورة" السورية من ترديها في الاحتقار الشعبي والشك العميق.. الذي هوت فيه..

غزة.. أم رأس الرجاء الصالح؟!

علاوة على بعثرة الفلسطينيين فإن حمد يريد بزيارته إلى غزة تضليل الناس وإزالة روائح الدم العالقة بجسده عبر الاستحمام في بحر غزة.. والحصول على شهادة "لا حكم عليه" من قبل الأحرار.. غزة صارت مقر إصدار شهادات (حكم عليه).. أو (لا حكم عليه).. لأنها خزان دم الشهداء المعطر.. ولأن فيها كل الصواريخ التي نقلتها أكتاف مقاتلي حزب الله عبر الأنفاق إلى مقاتلي حماس.. وحيث يلتقي الدم بالصاروخ تصدر شهادات لا حكم عليه.. وإلى هناك توجه حمد وموزة.. واشتريا شهادة لا حكم عليه.. بأربعمئة مليون دولار.

صارت غزة وحماس المطهر الذي تتطهر به الخيانات العظمى.. فكما منح خالد مشعل صك البراءة لأردوغان من كل جرائمه في حق السوريين فإن غزة صارت تبيع شهادات (لا حكم عليه) لمجرمين ومنافقين وقتلة وفاجرين ولصوص.. كم هو عار على غزة أن تستقبل أميرا بسوية أمير قطر وأن تقوم بغسيل أمواله.. كم هو عار أن يغسل دم الشهداء في غزة مالا حراما ومالا مسروقا ومالا يقتل جيرانهم.. لا أحد يعرف ماذا فعلت الأيام حتى صارت المدن المحاصرة تستقبل حقائب الذهب.. وتبيع الصواريخ..؟؟ ولا أحد يعلم كيف صار الدم يغسل الوجوه المسودة ويبيضها..

في التاريخ كان ظهور رأس الرجاء الصالح سببا من أسباب أفول الشرق وصعود الغرب.. وغزة اليوم صارت رأس الرجاء الصالح الذي تمر عليه سفن فاسكو دي غاما (الربيع العربي).. مدينة تمر بها قوافل التجار الذين لا يريدون المرور في دمشق بل للوصول إلى قهر دمشق.. ويريدون قطع طريق الحرير القديم الذي كان يمر في بلاد الشام وحلب.. غزة تتحول إلى رأس الرجاء الصالح لضرب دمشق وحلب..

ولا أستبعد أن يصل إلى رأس الرجاء الصالح في غزة مغامر مرهق مثل أردوغان الذي بشره خالد مشعل بقرار لا حكم عليه في استانبول ليقلده وسام الأحرار.. ولا أستبعد أن يصل إلى رأس الرجاء الصالح أحمد فتفت ليقدم له الشاي وفؤاد السنيورة وصديقته كوندي وسعدو الحريري ووليد جنبلاط وبندر بن سلطان وسمير جعجع.. وكل أصحاب سوابق الخيانة والعمالة.. فللوصول إلى توابل دمشق لابد من طريق رأس الرجاء الصالح.. وهي طريق كل من يريد الوصول إلى نهاية القضية الفلسطينية.. ولا تستغربوا إن وصل إليها أولمرت نفسه وتسيبي ليفني وجورج بوش وديك تشيني.. ولا تستغربوا أن يستحم في بحر غزة ما بقي من أيريئيل شارون كي ينهض من سباته.. ولا ترفعوا حواجبكم دهشة إن سمعتم أن أبا رغال نفسه قادم من أعماق التاريخ ليستحم في بحر غزة ويستلقي على الشاطئ قرب ضريح جدنا هاشم.. وأن يصل العلقمي من بغداد عبر معبر أبو سالم.. ومعه أبرهة الاشرم.. وأبو جهل.. وأبو لهب.. ومسيلمة الكذاب.. وهولاكو.. وتيمورلنك.. ونابوليون بونابرت.. وغورو والأميرال اللنبي.. ولورنس العرب والسيدان سايكس وبيكو.. بحر غزة يطهر الروح بالملح الثوري كما يطهر الحج المؤمنين الورعين.. ويرغم الملائكة على تعديل ما تكتبه في ألواحها المحفوظة على أكتافنا.. حتى لو كتبت الملائكة عن عقوق الأب وطعنه.. وحتى لو كتبت الملائكة عن قاعدة العيديد.. وعن صفقات العلاقات السرية مع الليكود.. فكلام الملائكة على الرمل وأمواج بحر غزة تمحو ما يكتب على الرمل..

إن غزة بلهجة أهل قطر اسمها "قزة" كما يلفظها حمد بن خليفة.. وقطر اسمها "غطر" وتبادلية حرف الغين والقاف ليس صدفة بل ربما لأن "غطر" بدأت تبتلع "قزة".. والقزّة لغة هي عذارى الفراشات التي تحيك شرانق الحرير حول نفسها وتنام بسلام فيها تنتظر إطلاق أجنحتها.. مشروع التحليق والحرية الطموح للشرانق ينهار ويتحول إلى مشروع انتحار عندما تنزل من الشجر إلى مزارع الحرير.. لأنها سترمى في الماء المغلي عندما يقطف الحرير.. و"قزة حمد" تأكل من يد حمد وتنام في شرنقتها وتعزل نفسها عن أمها.. إلى أن يأتي موعد قطف الحرير.. ولا يبقى من غزة هاشم إلا فرع جديد لقاعدة العيديد في "قزة".. بعد أن يملأها أميرها بالعمارات والرشوات ويشتري منها الصواريخ والبنادق.. فحيثما حل هذا الأمير تدنى المستوى الأخلاقي للأمم والأديان والثورات.. فكل شيء يباع للأمير.. يباح.. حتى الجهاد.. وحتى الدين.. وحتى الثورات..

قراءة في مقابلة الجزيرة مع رياض حجاب..

وبالعودة إلى مقابلة رياض حجاب مع الجزيرة التي ستستمتعون برؤيتها.. فلا تكترثوا لإجابات هذا الرجل الدمية ولا تعيروها اهتماما وركزوا على الأسئلة التي وجهت له.. لأن الجواب دوما هو الضماد الذي يغطي الجروح والقروح والكمادات الباردة على الجباه التي تعاني من حرارة الحمى.. أما السؤال فهو الجرح المفتوح الذي ينزف تحت الضماد وهو الحمى نفسها.. أجوبة رياض "كممرض" وضماداته وكماداته متوقعة من شخص يحاول إخفاء الغرغرينا في جراح الثورة.. ولن يقول لكم إلا مايريد أن يقول في تمثيلية المقابلة.. وهي أجوبة متوقعة من شخص يروج لإعلانات بضاعة مغشوشة.. ففي المعارك الإعلامية ينشغل الناس بالأجوبة ويغوصون في تفاصيلها لكن الباحثين الثقاة والمراقبين الدهاة للحقائق لا يكترثون بالأجوبة (البضائع المغشوشة) لكن يسألون عن قوافل الأسئلة التي حملت البضائع عليها.. ومن أين أتت ومن أين مرت ومن أي واحة شربت.. وهل القافلة مرهقة وبغالها منهكة.. وإلقاء النظرة على البغال يعطينا الخبر اليقين فلكل دابة وراحلة وشمها.. فكيف كانت بغال علي الظفيري التي حملت بضاعة زاراداشت الثورة.. وماذا كتبت الوشوم على جلودها؟؟..

من نوع الأسئلة لم يكن الغرض من المقابلة رفع معنويات المقاتلين والقائمين على مشروع التغيير ولا دك حصون النظام السوري بل كان لمعالجة أزمة واضحة كشفتها الأسئلة وهي أزمة بدأت تقض مضاجع القائمين على الثورة ومشروع التغيير في سورية وتثير بالغ القلق من ارتفاع حرارة المريض.. وانتشار الغرغرينا.. ومن يرفع الضماد سيشم رائحة القروح.. ومن ينظر إلى القوافل سيرى حميرها وبغالها منهكة ومرهقة..

في عمق برنامج (في العمق) كان من الممكن أن نرى اعترافا لأول مرة بأن الثورة تقر بأنها في قفص الاتهام بالعنف والكذب وأنها مخترقة بالمشاريع المتناطحة المتناقضة.. وأن الجزيرة كانت في الحقيقة عبر أسئلتها في حالة مرافعة للدفاع عن اسمها لأن اللقاء المرتب بعناية كان لأول مرة في حالة دفاع مستميت عن النفس.. الثورة كانت تدافع عن نفسها وعن سمعتها.. وقطر والجزيرة تخضعان لعلاج مكثف لاسترداد العافية وثقة الناس الذين تحولوا عنها.. لأن المقابلة التي أريد لها في الظاهر أن تكون مقابلة تنغرز كالسيف في خاصرة الدولة الوطنية السورية لم تكن (في العمق) إلا محاولة لإطفاء الحرائق المندلعة في صدقية الجزيرة وأميرها.. ولإعادة الثقة المفقودة بصدق الثوار والمسح على عقول الناس لتبرئة الثورة من الجريمة المنظمة والعنف اللذين طفيا على نهر الثورة المليء بالتماسيح.. والمقابلة كانت محاولة لاستعمال وجوه بارزة من المنشقين (الفارين) كالمكانس لكنس القمامة المتراكمة على وجه قطر.. ووجه أميرها.. وإقناعنا أن التماسيح الموجودة في بركة الثورة وديعة كالدلافين ومهمتها إنقاذ الغرقى..

كانت الحلقة خاصة جدا لتخليص الثورة السورية من سمعة التصقت بها ولوثات كبرى علقت بها وبدا أن ثياب الثورة عالقة في سياج الكذب وسياج الريبة بها وهي تحاول السرقة كما لصوص الحقول والبساتين وجاء رياض حجاب في مقابلته يحاول تخليصها بحكم أنه جاء من قلب النظام.. لكن ما فعله أنه شدها بقوة فخرجت من السياج عارية وقد بقيت ثيابها عالقة على السياج.. سياج المنطق الوطني والفطرة.. وبدت المقابلة محاولة يائسة لترقيع ثوب الثورة الممزق الذي يرى تحته جلد الأفعى الأملس والمرقط.. ولا أبالغ إن قلت إنها محاولة لترقيع عذرية الثورة واستعادة بكارتها.. فاستعمل رياض حجاب كغشاء البكارة الصناعي للقول للمعارضين بأن "ثورتكم" عذراء فلا تسيئوا بها الظن.. إن بعض الظن إثم.. فليس هناك كما يقال في كتب التراث "الميل في المكحلة".. ولا وجود لمؤامرة.. لا وجود لميل أردوغان ولا ميل حمد ولا ميل بندر ولا ميل أوباما ولا ميل هولاند وبرنار ليفي.. ليس أي من هذه "الأميال" في مكحلة الثورة الطاهرة ودبرها.. هكذا تكلم زراداشت الثورة.. رياض حجاب..

ما اتفق عليه كل من رأى المقابلة أن ما قيل فيها لم ينحرف قيد شعرة عما قالته الجزيرة على مدى عامين من الأزمة السورية بل كانت كل اعترافات حجاب تلخيصا وظلاّ لكلام الجزيرة وصورة مرآة لما قالته وتوأمة لكل معلومة نقلتها.. والرسالة المراد إيصالها هي: إلى المشككين بمصداقية الجزيرة والثورة.. إن الجزيرة لم تكذب أبدا وأن الثورة لم تكذب أبدا في أي حرف بدليل كلام زاراداشت الثورة.. رياض حجاب.. وهذه هي الغاية من اللقاء.. ولا أعتقد أن رياض يمكن أن يدلي بمقابلة إلى قناة الميادين وأمام غسان بن جدو مثلا التي سيظهر فيها هذا الزاراداشت تائها شاردا متناقضا متعرقا.. ويقطر دهنا كما لو كان يتقلب وهو يشوى على نار الأسئلة المتحدية.. وهنا أستطيع تحدي الثورة في السماح له في الظهور على قناة الميادين مثلا.. وأتحداه إن تجرأ على ذلك دون إذن رئيس الديوان الأميري القطري.. وإن ظهر فليسقط سقوطا حرا وليعرف الجميع كيف تسقط الدمى..

هذا التطابق والتماهي الساذج في كل ما نقلته الثورة والجزيرة وقع في محظور وفخ مربك.. لأن التطابق 100% لا يمنح مصداقية بقدر ما يثير الشك في مصداقية الوسيلة الإعلامية التي باتت تدافع عن نفسها بهذه الطريقة الفجة.. وكان يجب إظهار بعض الفوارق في التفاصيل والاختلافات الطفيفة وذكر بعض الأشياء التي قيلت ويتم تصحيحها.. لأن عالم الإعلام اليوم في المقابلات الثقيلة العيار يعتمد على الخبطات والمفاجآت بأن يظهر الثغرات التي قد تشوب عملية النقل الإعلامي قبل المقابلة بسبب ظروف الحصول على المعلومة كما يفترض.. لكن أجوبة زاراداشت الثورة رياض حجاب كانت تشبه بصمات إبهام القرويين الأميين على بيانات مختار القرية (الجزيرة) دون مناقشة.. الأصابع تتلون بالحبر.. فيما علي الظفيري (المختار) يمسك أصابعه ويضغطها على الورق دون اعتراض لتبصم.. أوراق الجزيرة المزورة كانت أمام أصبع القروي رياض حجاب الذي كان يبصم على كل شيء قاله المختار مستسلما لقدره.. هكذا ظهر زاراداشت.. رياض حجاب.

بصم القروي على الورق الذي قال ما قال عن القتل العشوائي للدولة ضد المدنيين والحلول الأمنية وعشرات آلاف القتلى والمعتقلين وعن مسؤولية روسيا والصين عن الدم السوري وعن مصادرة القرار السوري من قبل إيران وروسيا.. وعن غزو إيراني لسورية وعن وجود ميداني لمقاتلي حزب الله.. وكل شيء دون أن ينحرف قيد شعرة عن خط الجزيرة.. ولم ينس دور قطر الملائكي في كفكفة دموع السوريين وعن ضرورة تدخل الناتو (الطلب العزيز على قطر).. القروي كان يبصم بإبهامه دون تحفظ على كل ما قالته الجزيرة سابقا ولم يعترض.. بل وكان مسليا جدا أن القروي كان يصر على تكرار اسم الرئيس الأسد مجردا من لقب الرئيس بشكل متكرر مقصود ملفت للنظر -كما أوصت تدريبات المقابلة- للزج بهذا التجريد في عقل المشاهد.. حتى يتم نفسيا نقل هذا النزع لهيبة مقام الرئيس إلى عقل المشاهد والتعامل مع الرئيس الأسد كأنه فقد الهيبة الرئاسية.. من قبل رئيس وزرائه.. وأنه صار مجرد اسم بلا عنوان وبلا حقوق.. هكذا تكلم زاراداشت الثورة السورية.. رياض حجاب.

فالحديث في (العمق) مع شخص يعتبر ذروة "المنشقين" وصندوقهم الأسود ودرتهم الثمينة يفترض ألا يكون مجترا ومكررا عن النظام السوري بل أن يكون مليئا بالصراحة وبالأسئلة عن الثورة السورية وإفرازاتها ومآلاتها ومستقبلها وتشخيصا موضوعيا لأزماتها الداخلية وعثراتها وتصويبا لرهاناتها واعترافات ومصارحة عن الثقوب والعيوب التي أصابت العمل الثوري الذي كان من نتيجته الفشل في زحزحة النظام قيد شعرة أو تخويفه.. وكان (في العمق) يجب أن يكون عن المعارك الخاسرة مثل معركة دمشق والتساقط التدريجي بالقضم اليومي لمعاقل التمرد في حلب.. وعن المراجعات التي يجب أن تجرى مثل الرهان على تركيا والناتو وليس من باب الاعتراف بالهزيمة كما يخشاه الثورجيون بل من باب إدراك عدم سهولة المعركة وضرورة معرفة الأسباب الحقيقية لفشل الإنجاز الثوري حتى الآن دون بيع الناس أوهاما وملء نفوسهم بأحلام اليقظة.. وبطولات باب الحارة.. وباب الهوى!!.

ومع هذا فلم يخل حديث زاراداشت الثورة من بعض الطرائف والدعابات الظريفة مثل طرفة أنه أراد بالهروب ابتغاء مرضاة الله لأن الله لا يرضى عن المؤمنين إلا في الأردن حيث ملوك خيبر وحيث موساد شعب الله المختار يتجول في عمان كما كان رياض حجاب يتجول في دير الزور.. وحيث أرسل الله الوحي لإرسال سفير إلى إسرائيل من الأردن.. ويبدو أن الله جعل من عمان يثرب المؤمنين.. ومن الملك عبد الله الثاني سعد بن عبادة الأنصاري.. وصارت دمشق هي قريش.. وأمير قطر هو أبو أيوب الأنصاري الذي بركت عنده ناقة (النبي) المنشقة عن أهل مكة.. وصار الله يحب الناتو وأهل الناتو ومن يبتغي مرضاته أن يلجأ للدعاء للناتو واللجوء إلى الناتو.. وصارت الهجرة إلى فرنسا مثل هجرة المسلمين إلى النجاشي في الحبشة.. أما الله فصار عثماني الهوى وسلجوقيا.. وربما عضوا في الناتو.. وهناك مرضاة الله.

أما الأكثر طرافة وظرافة فهو أن زاراداشت الثورة لم يتقاض مالا من قطر.. رغم أن كل القبيلة التي هاجرت معه لا تعيش في خيام معسكر الزعتري كما نعلم من دون فواتير وتكاليف الإقامة لعائلته التي تقدر الآن بحوالي 60 ألف دولار شهريا بالحدود الدنيا.. لأن القريبين من عائلته يقولون أن لا أحد من أهله في الخيام بل في المناطق الراقية كما أن أبناءه يعيشون في بحبوحة بعكس لاجئي المخيمات.. ولو كانت قناة محايدة هي التي أجرت اللقاء لسألته لم لا يساوي نفسه بلاجئي المخيم ويختار خيمة بينهم ويدفع بأبنائه للعيش بين أبناء اللاجئين بين الرمال.. ولكن الرفاهية التي يحاط بها والسخاء يقولان شيئا آخر.. ولا دليل على قبض المال إلا خضوعه المطلق لكل بيانات الجزيرة وعجزه عن الافتراق والاختلاف عنها..

هذه المقابلة بالطريقة التي صيغت بها وعرضت تشير إلى تراجع في مواهب العاملين في الجزيرة الذين صاروا يتصرفون بطريقة شباك التذاكر والإثارة والأكشن بعد أن بدأت ميادين غسان بن جدو تجتاحها حصناً حصنا وقلعة قلعة وترميها حجرا حجراً بحيادية ومهنية واحترام لعقل المشاهد بدرجة قصوى وإعادة تركيب العقل العربي الذي فجرته قنبلة موقوتة زمنية اسمها الجزيرة ولم تبق منه إلا مثلما بقي من جسد وسام الحسن في الأشرفية.. شباك تذاكر الجزيرة جاء برياض حجاب علّه يستعيد بعض الجمهور الذي نجا بنفسه إلى الميادين الحرة.. مقابلة كانت الجزيرة تستجدي من خلالها العطف وتحلف الأيمان المغلظة على أنها لم تكذب أبدا ولم تفبرك ولم تنحرف.. وكل من يرى المقابلة لا يساوره شك أنه تم الإعداد لها بعناية فائقة لتبدو عفوية وأن حجاب كان كالتلميذ الذي حفظ الدرس عن ظهر قلب..

ولو كنت في مكان الجزيرة والمعارضة لما أخرجت هذه المقابلة بهذه الطريقة المسرحية السمجة.. بل طرحت أسئلة صعبة جدا وجديدة على رئيس وزراء الثورة "البطل".. وما انشغلت بتفاصيل هروبه المملة.. بل واجهته بأسئلة عن مصاعب الثورة وإخفاقاتها وليس بتبرير فشلها.. ولسألته عن عنفها وعن هيكلية عملها وطريقة تحسين سمعتها وعن الجثث الملقاة من الأسطح التي وصلت إلى كل العالم وهدمت من سمعة الثورة.. وكان من المفيد جدا أن يقول بعض الكلام القاسي بحق بعض (الأخطاء الثورية).. فيبيّض مع أخيه الصغير علي الظفيري سمعة الثورة وقدورها السوداء.. وأسنانها الحمراء.. ولكن التبييض كان يحتاج شنبات عزمي بشارة الكثيفة التي تشبه فرشاة ضخمة.. التي تبيّض حتى الليل الداجي وتلون بالأبيض سواد الحرائق..

بدا واضحا أن اللقاء مصمم للرد على المشككين بالثورة وقدرتها على الاستمرار من ضمن الثورة نفسها ومن ضمن الجمهور العربي المتذبذب.. ويدل على أن هناك قلقا عميقا من تحولات نفسية كبيرة وتمرد على الإرادة الثورية وقناعات الناس.. وأن الوضع حرج.. فلم تعد الغاية الهجوم على النظام السوري بل الدفاع عن أكاذيب الثورة وشرفها الذي تحوم حوله شبهات جارحة كما تحوم النسور والطيور الجارحة حول حيوان جريح يحتضر.. والطيور صارت تقف قريبا منه تنتظر أن يلفظ أنفاسه فيحاول طردها بحركات منفعلة توحي أنه ينتعش وأن ضعفه وهمي وأنه ناهض إلى الحياة.. لكن الطيور الجائعة المنتظرة على كل الأشجار أو التي تحوم في السماء تعرف أن الوليمة كبيرة وأن الحيوان الجريح يحتضر ببطء.. رغم كل ما يقال من أنه سينهض.. مهما تكلم زاراداشت الثورة!!.

الصفحة الشخصية للكاتب

0 2012-10-27 | 14:04:10
 

القائمة البريدية
اشتراك
إلغاء الاشتراك
شكاوي اون لاين
http://www.
جميع الحقوق محفوظة لموقع زنوبيا الاخباري © 2024
Powered by Ten-neT.biz © 2006 - 2024