وجهات نظر

عن الشعر وترجمته

الاستاذ علم عبد اللطيف _الثورة


الملاحظ أن من تناول الرباعيات بالدراسة حتى الآن.. أشاروا إلى مسألة الاختلاف والفروقات في الشكل والمضمون بين النص الأصلي الذي قدمه (ادوار فيتزجيرالد) وسوّقه في الغرب.. وبين الترجمات العربية.. أحمد الصراف وجميل صدقي الزهاوي وأحمد الصافي النجفي. هذه الفروقات والاختلافات ترجع في البعض منها لأسباب ذكرها بعض النقاد.. حيث جرى تمثل الرباعيات وفق المزاج الروحي لمترجمه.. ووفق أفكاره وقناعاته، رغم ما فيها من خيانة لروح النص الأصلي، حيث تعددت أشكال هذه (الخيانات) تبعاً للبنية الفكرية التي يحملها صاحب الترجمة، حيث يعمد الصافي النجفي مثلاً إلى تخفيف النبرة الشهوانية والإنكارية والتجديفية، ويعزوها إلى سوء قراءتها وليس إلى الرباعيات الدخيلة، بينما ترجمها أحمد رامي في مناخ نفسي بعد فقده لأخيه فأهداها لروحه، لذلك غلب على جزء كبير منها الزهد والتنسك.. ربما كان كل هذا صحيحاً.. إنما يجب التنويه إلى مسألة مهمة.. هي غياب الملاحم والمطوّلات في الشعر العربي.. وهو أمر أشار إليه سليمان البستاني في مقدمة ترجمته للإلياذة.. حيث ذكر أن نظام القصيدة العربية بقافيتها الواحدة.. راكم مع الزمن صناعة البيت الواحد كوحدة مستقلة.. ويضيف البستاني شارحاً أن ثقافة القافية الصارمة هي التي صاغت ثقافة البيت وحدة مكتملة.. ويعزو برأيه غياب المطولات في التراث العربي كالإلياذة أو الشاهنامة أو رباعيات الخيام لهذه الأسباب.. وحقيقة.. نلاحظ أن كل من تصدى لترجمة الملاحم إلى العربية لجأ إلى تنويع القافية.. ثم الوزن.. وهو ما يخل بالأصل بالنص الأصلي روحياً وصياغة ربما.. خصوصا ترجمة البستاني للإلياذة.. ولعل أول من تنبه بشكل عملي لهذه الناحية هو الشاعر أدونيس في تصديه لترجمة (اوفيد).. فصاغ ترجمته على شكل قصيدة منثورة.. إنما بنفَس ملحمي يناسب الملحمات صياغة وشعراً.. على غرار ترجمته ( منارات) لـ (سان جون بيرس) التي ترجمها قبل ذلك. بعد أن قرأنا أدونيس في ترجمته ( منارات) ل سان جون بيرس، ثم ( اوفيد)، والآن ترجماته لقصائد ( يانيس ريتسوس). يمكن أن نتساءل حول إشكالية ترجمة الشعر. أدونيس ليس شاعراً فقط، هو منظّر في مفهوم الشعر، وميديا الشعر، وفي تاريخيته، ولغته، ورسالته. لكن السؤال حول ترجماته بقي قائماً: هل ما نقرأه هو لغة الشاعر المترجم منه، أم لغة أدونيس ؟. هذا السؤال يجد مشروعيته ليس فقط في لغة أدونيس العالية التي تخلق شعريتها في مفرداتها وأسلوبها وبنائها، وإنما أيضاً في مختاراته الشعرية التي تتصل بالملحمية. فقصائد منارات لسان جون بيرس، هي نص واحد حقيقة... قصيدة البحر، ترتقي إلى الملحمة ليس بحجمها فقط، بل بوحدة عالمها. ويبدو أن أدونيس اعتبرها كذلك.. فترجمها.. واوفيد، غني عن البيان انه نص ملحمي بالأساس، يماثل النص الهوميري في بنائه. والآن نجد ترجمته ليانيس ريستوس كما لو أن أدونيس يتابع مشروعه في تقديم الملاحم. أدونيس يقارب في مشروعه حلاً لإشكالية الترجمة الشعرية، من حيث لغتها وأسلوبها أولاً، وعالمها وفضائها تالياً. فترجمة الملاحم لا تنهض إلا بترجمة ملحمية شعرية، بدءاُ من الإلياذة.. ومروراً برباعيات الخيام، وليس انتهاء بترجمات أدونيس المذكورة. ونجد أنفسنا أمام نصوص ملحمية شعرية افتقدناها أصيلة بالعربية. يقدم أدونيس مشروعه كتأسيس لشعرية الشاعر المترجم ذاته. ليس في قوالب بنائية كما في ترجمة سليمان البستاني للإلياذة، ولا في الترجمات المتعددة والمختلفة لشعر الخيام، النجفي، و أحمد رامي، وغيرهما. التي تبتعد عن الصياغة الأصلية بلغتها الأم بسبب تكلف الصياغة الشعرية في الترجمة إلى العربية.. التي تقتضي حكماً الزيادة أو الإنقاص.. أما في مشروع أدونيس النثري. .وأيضا ممدوح عدوان.. تكون هذه الإشكالية قد انحلت.. أدونيس يقدم للعربية ملاحم شعرية تفتقدها بصياغة المترجم الشاعر الذي يرتقي إلى مستوى شعريته في لغته الأساسية. متجاوزاً التعريب أو التلخيص، كما في مشروع عنبرة سلام الخالدي
Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://znobia.com/?page=show_det&category_id=13&id=29918