وجهات نظر

وهم الابداع الأزرق.

الاستاذ علم عبد اللطيف _الثورة


الوهم هو تصور ذاتي عن امر، لا يستند الى منطق التسبيب او أجوبة المنطق، وحين تتجاوز حالة الايهام ابهامها هذا، لا تعود وهما، بل حقيقة. نتحدث عن عالم افتراضي وجدنا أنفسنا نعيشه فجأة، افتراضي بمعنى الصلة بينه وبين الواقع والحقيقة كما نعرفهما، قد تغيرت معطياتها، وانتقلت من الواقعية الى الافتراض، والافتراض يحمل الزعم.. وربما الادعاء. نتواصل ونتساجل بالكتابة في هذا الفضاء، وهو امر حسن، أتاح لنا ولجميع مستخدميه فرصة ديمقراطية لتقديم أنفسنا، كتاباتنا، افكارنا، وهو بحكم طبيعته المفتوحة، لا يضعنا امام اشتراطات الكتابة في الصحف التقليدية من حيث الحجم او نوعية المادة، ومن هنا كثر الكتّاب، الشعراء وغيرهم، فلا ضابط ولا قيد لما يكتب. وبدا ان لا سبيل لتجاوز صعوبات مرحلة الواقعية ومتطلبات الروتين ولوجستيا التعاطي مع المؤسسات، الا بافتراض عالم آخر يكون بديلا مستجدا، ساحرا. واذن، فان عالماً جديدا يعيشنا، يفرض كونه علينا، لم نختره، هو غزو؟ ربما.. لكن الغزو هنا يبدو كما لو كان ضرورة، فهو العالم الجديد، القاسي والمنفلت، المدهش والمثير للقلق، لا بديل عن استخدام الشبكات العنكبوتية في كل العالم الآن، في المؤسسات والإدارات، ولدى كل المستخدمين، تمت الاستعاضة عن السجلات والاضابير والمصنفات، واصبح كل شيء رقمياً، وهي تقنية الترقيم التي ابتدأت بحيازة الاسم الرقم، ولم تنته عند الصورة الرقمية المباشرة التي الغت تاريخا للبصر وانعكاس الصورة وارتسامها، ولم تنته ايضاً عند رقمية الكتابة والاختزال الرقمي، حتى وصل العالم الى العملة الرقمية، وهي غير موجودة فعلاً الا في هذه الشبكة الرهيبة. الآن.. تبدو مخاطر وهمنا الذي نعيشه رغما عنا، لا تقتصر على الثقافة والاعتبارات الفكرية فقط، بل في عالم يبدو انه يحولنا الى افتراض ويدخلنا في دورة طبيعته المتحولة، يقدم لنا لعب أطفال حرمنا منه أطفالا، ويقف متفرجا علينا نلهو بها ساذجين، ولا تثنيه اخلاق اب مفترض عن حرماننا من هذه اللعب متى شاء دون مراعاة عواطفنا او حاجاتنا واعتباراتنا، نظن اننا نصنع المدونات بكتابات تنضاف الى صفحتنا كل يوم، وحقنا ان نحرص عليها ملكية ابداع وفكر، لكن هذا كما يبدو ليس في وارد هذا الفضاء المرعب، هو ليس من لحم ودم، وستكون اخلاقه اخلاق الآلة بالقطع، لا علاقة لمنظومات الاخلاق الإنسانية والعقلية والثقافية بها، وهي حقيقةً ثمن وضريبة، ضريبة تكنولوجيا قدمت لنا الكثير، لكن ضريبتها بحجم تقدماتها ان لم تكن اكبر وافظع، ضريبة لا كما اعتدنا من زيادة حوادث السير باستخدام السيارات والقطارات والطائرات فقط، بل ضريبة الإلغاء والاعدام دون سابق انذار او اخطار، ولا حقوق او تعويض في كل ذلك، فإبداعنا هو مادة ومحلاً للربح فقط عند المتحكمين بعالم متصل بكابل نحاسي او زجاجي، فصار ابداعا ازرق ينتمي الى وهم سماء زرقاء استمدت لونها من مسافة لا نهائية تفصلنا عنها، او اوقيانوس هائل لا يتيح لنا السباحة والعوم، بل يلفنا في غياهب موجه الاثيري حبات رمل لا تنقذف الى شاطئ، ولا عجب فنحن صرنا نشك في واقعية وجودنا، فكيف بإبداعنا وثقافتنا. هو الوهم. قديما كان العجائز يسمون المرض الغامض الذي يحصد الأرواح.. الوهم .
Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://znobia.com/?page=show_det&category_id=13&id=29842