محليات

الملائكة لا تستنشق الـ CO2 .. طبيبة تروي معاناتها مع لباس العزل في أحد مشافي دمشق

تلفزيون الخبر


تقف الطبيبة “رغد” العاملة في أحد مشافي دمشق، محتارة بين واجبها الإنساني وواجبها الطبي لإخبار مريض بأنه مصاب بفيروس كورونا المستجد، فكلمة كورونا تعني له اقتراب الموت، رغم سعي الطبيب جاهداً للتأكيد على وجود فرصة للعيش. عدم القدر على الكلام وإخبار المريض بنبأ إصابته، جانب إنساني يطغى على الطبيبة رغد، وواجبها بإخبار المريض بإصابته ليأخذ احتياطاته ويتجنب نقل العدوى لغيره هو الواجب الطبي الذي يغلب، لكن الواجب الطبي الإنساني هو الأقوى في هذه الحالة ويظهر لحظة مواساة المريض والتخفيف عنه قبل أن يبدأ رحلته في مركز الحجر الصحي وحيداً بعيداً عن عائلته. عائلة أخرى يجدها المريض في مركز الحجر الصحي مكونة من الأطباء والممرضين الذي أبعدهم واجبهم الإنساني الطبي عن عائلتهم الأساسية، فمراعاة المريض والاهتمام بشخص قد يتوفى بعد أيام أو ساعات أو قد يخرج متعافي ويتشكر الأطباء والمريض . هو الدافع الثاني لهؤلاء الأطباء، أما الدافع الأول، فهو التخوف من انتشار العدوى ووصولها للأطباء والممرضين وعدم قدرتهم على مواكبة وإتمام مهمتهم الصعبة والحرجة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المرضى. الإيجابية حقيقة: تقول الطبيبة رغد لتلفزيون الخبر متحدثةً عن رحلتها في قسم العزل الطبي في أحد مشافي دمشق: ” كانت البداية ثلاث مسحات إيجابية صدرت لمرضى العناية وذهب أصحاب هذا الحمل إلى مراكز الحجر وبقيت أضابيرهم لدينا على غِلافها الخارجي”covid19 +” ضمن دائرة مرسومة فوق بعضها مرات عديدة، وكانت المرة الأولى التي ألتقي بها بالإيجابية وليس بالشك بها”. تلك اللحظة شبهتها الطبيبة رغد بالقيادة داخل سيارة دافئة في يوم بارد، حيث بدأ بخار الماء يتكاثف على عازل العينين الذي كانت ترتديه، فقالت: “أيمكن للمرء الرؤية في جو كذلك! ولكن كان لزاماً أن أرى وأن أستمر بالقيادة”. بعد تلك اللحظة، كان لباس العزل الحمل الأصعب على الطبية رغد، فتقول: “لباس العزل أشبه باللعنة التي لا يمكن تحملها أكثر من ساعتين متواصلتين. بدايةً تبدو الأمور قيد التحمل ثم ما يلبث الجسد إلا أن يقوم بردة الفِعل تِجاه ما يقاسيه حفاظاً عليه ليس إلا.. حبات الماء تقطر من كل مكان في جسدك ضمن اللباس العازل.. عدد مرات تنفسك في ازدياد مخيف، الـ co2المعاد استنشاقه خلف الكمامة بالفعل يجعل المرء في سَكرة غريبة”. “أقف أمام مريض في بداية الأربعين دون سوابق مرضية يحدثني عن قصته و يجيب على هاتفه يطمئِن أهله.. أمنح مريضي فرصةً وعيني عليه ولكن لا وقت كاف هنا للفرص والمناورة”. مساعدة المريض على الشعور بالأمل كان يجبر بعض الأطباء على تطمين المريض بكلمات وهمية أحياناً، فالعامل النفسي للمريض هو الأساس في العلاج، وهنا تقول الطبيبة رغد: “أخبرني أحد المرضى أنه منزعج من تدفق الأوكسجين العالي فأخبرته أنني سأخفضه له.. وهماً جميلاً ليس إلا”. لا يلبث أن يعقم سرير حتى يأتي مريض جديد، وبعد المريض الأربعيني يأتي العشريني، وهنا أشعر أن قدماي لم تعد تحملاني.. المريض موضوعٌ على جهاز التهوية الآلية وإعدادات المنفسة بلغت أقصاها، وبدأت أهذي ومن بين الجمل التي قلتها “الطب لا يصلح للفتيات!” تقول الطبيبة رغد. موعد مغادرة غرفة المريض أشبه بالخروج من الحرب، وإجراءات التعقيم والتخلي عن لباس العزل تماماً كمشهد التخلي عن السلاح بعد انتهاء الحرب وإتمام المهمة بنجاح. لكن الخروج من هذه الحرب ولهيب لباس العزل إلى هواء الغرفة الرطب، لا يشفع لها كي تتراجع عن مهمتها، وهنا تؤكد الطبيبة رغد “علينا المتابعة وفقط”. وتختم الطبيبة رغد حديثها بالإشارة للحالة النفسية للطبيب بعد مضي أشهر في مراكز العزل الطبي بالقول: “حساسية الكحول والمعقمات خرشت أغشيتنا وروحنا، ففي آخر الليل وأنا أتصفح هاتفي وصفحات التواصل الاجتماعي وأرى أسماء ونعوات لأشخاص توفوا جراء إصابتهم بالفيروس، لم أعد أستطيع النطق بأي تعزية أو مواساة”.

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://znobia.com/?page=show_det&category_id=16&id=26183