وجهات نظر

إدلب: يوم تلفظ الحرب على سوريا أنفاسها الأخيرة

العهد


تزداد حدة الأوضاع الأمنية في مدينة إدلب السورية يومًا بعد يوم، لا سيما مع انتشار الاغتيالات والتصفيات والتفجيرات، بين فصائل المعارضة المسلحة، في إطار التنافس على السيطرة والانتشار، خاصة من قِبَل مسلحي ما يُسمى “هيئة تحرير الشام”، إلى جانب اختطاف مروجي فكرة المصالحات في إدلب، وهو ما اعترف به عبد المنعم زين الدين، المنسق العام بين الفصائل السورية، في تغريدة له على تويتر. وفي ظل هذا الجو اتهمت روسيا “هيئة تحرير الشام” وفصائل مسلحة الأخرى، بالتحضير لهجوم كيميائي وتلفيق التهمة للجيش السوري، وتحميله المسؤولية عن الهجوم حال حدوثه، بما يمنح مبررات مكذوبة للدول الغربية لاستهداف مراكز للجيش السوري، في وقت تماهت صفحات إرهابية مع الادعاءات الأميركية وحذرت من هجوم كيميائي وشيك سيشنه الجيش السوري وحليفه الروسي. على وقع هذه التحذيرات المتبادلة كانت الأنظار تتجه الى اللقاء بين رؤساء الدول الثلاثة المعنية بالشأن السوري (إيران، وتركيا، وروسيا) خلال قمة طهران التي عقدت يوم الجمعة في السابع من أيلول سبتمبر الماضي، الا أن اللقاء لم يسفر عن نتائج حاسمة بسبب التعارض في وجهات النظر بين الروسي والايراني من جهة والتركي من جهة أخرى حول مصير مدينة إدلب. فقد ظهر التباين في تصريحات الرؤساء الثلاثة خلال القمة، إذ تبنى الرئيسان الإيراني حسن روحاني والروسي فلاديمير بوتين ضرورة استعادة الحكومة السورية السيطرة على محافظة إدلب، وأكد الرئيسان أن محاربة الإرهاب في إدلب جزء لا يتجزأ من مهمة إعادة السلام وإرساء الاستقرار في سوريا. بينما حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مما أسماه “حمام دم”، نتيجة العملية العسكرية المزمع شنها على المحافظة، ودعا إلى تطبيق وقف فوري لإطلاق النار في المحافظة الواقعة على الحدود التركية. وفي البيان الختامي للقمة الثلاثية، اكتفى الرؤساء الثلاثة، بالتأكيد على معالجة الوضع في إدلب “بروح من التعاون” دون تفاصيل واضحة، وتأجيل حسم القضية من خلال إجراء مزيد من المناقشات في اجتماع آخر ينعقد في موسكو قريبًا. في الجانب الأميركي، يلاحَظ الإرباك في المواقف، (وربما يكون الإرباك مقصوداً) حيث تتغير لهجة الخطاب الأمريكي بشأن إدلب، فبعد تصريحات وتهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، برز تصريح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي قال: “إن الولايات المتحدة ترى مكافحة الإرهابيين شمالي سوريا أمرًا ضروريًّا، وتشاطر روسيا مخاوفها حيال وجودهم في إدلب”. فشلت تركيا في الضغط على طهران وموسكو لمنحها مزيدًا من الوقت تصريح “بومبيو” جاء مخالفًا لتحذيرات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بداية الأسبوع الماضي مما أسماه “هجومًا متهوّرًا” على إدلب، وبيان الناطقة باسم البيت الأبيض ساره ساندرز التي قالت فيه “لو اختار الرئيس بشّار الأسد مجددًّا استخدام السلاح الكيميائيّ، فالولايات المتّحدة وحلفاؤها سيردّون سريعًا وبشكل مناسب”. ورغم أن المُهل التي أُعطيت للتركي ليست بالقليلة لحسم ملف إدلب والتخلص من جبهة “النصرة” وباقي الجماعات المصنفة ارهابية، فان التركي تلقف التهديدات الاميركية ليتشبث في مواقفه، ويسعى مجددا نحو المماطلة عبر تقديم مقترحات تحتاج لأشهر لتنفيذها، حيث كان بإمكانه العمل عليها ضمن المهل السابقة، ومن بين تلك المقترحات ما قدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال قمة طهران من إمكانية نقل فصائل الفصائل المسلحة خارج محافظة إدلب، وإعادة تسكينهم في أماكن لا يتمكنون فيها من مهاجمة قاعدة حميميم العسكرية الروسية. ومن الواضح أن هذا المقترح لا يحل مشكلة إدلب وعودته الى مكانها الطبيعي تحت رعاية الدولة السورية بقدر ما يحاول هذا المقترح الايقاع بين روسيا والحكومة السورية لاظهار أن الروسي يسعى نحو مصلحة جزئية تتعلق بإبعاد الجماعات عن قاعدة حميميم الروسية. والواقع أن محاولات الهجوم على قاعدة حميميم عبر طائرات المسيرة (درون) تتحمل مسؤوليته تركيا أولا وأخيرا كون هذه الهجمات تنطلق من المناطق الخاضعة للنفوذ السوري. ويمكن اعتبار الاقتراح التركي بمثابة الدليل الدامغ على أن هذه الهجمات تلقى موافقة تركية. العرض التركي يكشف مأزقًا تركيًّا ناتجًا عن ضغط حلفائها من التنظيمات الارهابية وعلى أي حال، فإن العرض التركي يكشف مأزقًا تركيًّا ناتجًا عن ضغط حلفائها من التنظيمات الارهابية، كـ”هيئة تحرير الشام” التي يرتبط زعيمها أبو محمد الجولاني بعلاقات وطيدة مع المخابرات التركية. ومهما يكن من أمر، فمن الواضح أن تركيا تسعى بكل جهدها الى تأخير أي عمل عسكري في محافظة إدلب، وهو ما ستعتبره انتصارًا دبلومسيًّا كبيرًا. صحيح أن تركيا تهدد بأن أي عمل عسكري في ادلب قد يهدد مسار استانة، الا أن سوريا وحلفاءها غالبا ما يجدون حلولا تدريجية سمحت لهم بالسابق بتنفيذ عمليات عسكرية كانت تركيا تعترض عليها. فشلت تركيا في الضغط على طهران وموسكو لمنحها مزيدًا من الوقت، كي تتعامل سلميًّا مع المسلحين، (وهو ما صرح به أردوغان نفسه في كلمته)، خاصة أن تركيا تسعى ليس لإبقاء الوضع في مدينة إدلب على ما هو عليه، بل الدفع أكثر نحو جعل ادلب لصيقة بتركيا. من الواضح أن المعركة العسكرية في إدلب قادمة لا محالة، بصرف النظر عن طبيعتها العملانية والتي ستفرضها التعقيدات السياسية من جهة، والإنسانية من جهة أخرى فضلا عن الاوضاع الميدانية نفسها، ويمكن استخلاص الإصرار على إنجاز المهمة من خلال تصريحات الرئيسين الروسي والايراني بوتين وروحاني، وكذلك من خلال التحضيرات الكبيرة للجيش السوري وحلفائه. قد تطول مدة البدء بعملية عسكرية في ادلب وقد تقصر، لكن المؤكد أن قرار الحسم اتخذ، وفي هذه الأثناء فإن التركي من جهة، والأميركي من جهة أخرى (منفردان أو منسقان) سيسعيان للعرقلة في سبيل وضع ادلب على طاولة الحل السياسي للأزمة السورية بأكملها، إلا ان محاولة قطف الثمار وتحصيل المكاسب من خلال النافذة الادلبية لن تبصر النور، فإن ما لم يحصّله المهزوم يوم كان على أبواب دمشق، لن يحصله بعدما اقتربت الأزمة السورية من نهاياتها، وأخذت الحرب تلفظ أنفاسها الأخيرة.

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://znobia.com/?page=show_det&category_id=13&id=18205