وجهات نظر

الجيش الذي لا يُقهر؟!

زياد الحافظ - البناء


ما زالت بعض النخب العربية الحاكمة والتي تدور في فلكها تبدي انبهارها تجاه الكيان الصهيوني وقدراته العسكرية الضخمة و«إنجازاته» العسكرية التي جعلته بالنسبة لها قدراً على الأمة بأكملها لتبرير الهرولة إلى التطبيع، فالاعتراف، فالصلح. ولكن حقيقة الأمر هي أن هذه النخب تعتقد أن الكيان الصهيوني هو الضمانة الوحيدة والقادرة على حماية أنظمة الحكم المنقطعة عن شعوبها، وذلك بسبب قدراته العسكرية في الميدان ونفوذه السياسي في الولايات المتحدة. لكن في الحقيقة، هناك مبالغة كبيرة في تقدير قدرات جيش العدو، كما هناك تقليل من مقولة أمين عام حزب الله أن الكيان الصهيوني أوهن من بيت العنكبوت. أما قدراته السياسية فهي أيضاً مبالغ بها قد أشرنا إلى ذلك في كتابات عديدة لا نعود إليها في هذه المقاربة. لذلك نكتفي بمقاربة «القدرات العسكرية» للإجابة عن سؤال واضح: هل القدرات العسكرية للعدو قدرٌ على الأمة؟ إذا لجأنا إلى السجّل التاريخي لأداء قوّاته المسلّحة نرى أن في حرب تشرين 1973 استطاع الجيشان المصري والسوري من مباغتة العدو. ولولا الموقف الملتبس للرئيس المصري آنذاك لكانت الأمور مختلفة كليّاً عما أسفرت عليه مفاوضات الكيلو 101 وما تلاه من اتفاقات مشؤومة أدّت إلى خروج مصر من حلبة الصراع العربي الصهيوني. لكن بغض النظر عن التقييم الميداني والسياسي لأسباب ووقائع ونتائج تلك الحرب، فإن عبور قناة السويس مع تجاوز خط بارليف الذي لم يكن من الممكن اختراقه وفقاً للدعاية الصهيونية والغربية، والتقدّم في الجولان المحتّل وسفوح جبل الشيخ، دلائل واضحة على قدرات الجيوش العربية على التخطيط والتنفيذ فالإنجاز وعلى هشاشة قدرات العدو. كما أن عجز العدو عن الاستمرار في احتلال بيروت الغربية عام 1982 دليل آخر على عدم قدرته على تحمّل ضربات المقاومة الناشئة. أما المقاومة الإسلامية التي ولدت من رحم ذلك الاحتلال فأخذت العبرة من تلك التجربتين وأدّت إلى استنزاف قوّات العدو على مدى 18 سنة. فكان التحرير دون قيد أو شرط نموذجاً عن إمكانية تحرير الأرض المحتلّة عبر المقاومة وليس عبر المفاوضات. فتحرير لبنان عام 2000 أسقط نهج كامب دافيد ونظرية العدو الذي لا يُقهر، فكان قهره على يد المقاومة في لبنان. وإذا كان هناك مَن شكّك في يقين خروج القوّات العدوّة المحتلة بحجة أنه قرار ذاتي لا علاقة بضربات المقاومة، فإن حرب تموّز عام 2006 بدّدت تلك الشكوك. لكن هناك ما زال مَن يشكّك بنتائج حرب تمّوز حتى الساعة رغم اعتراف العدو صراحة بهزيمته. ففي لبنان وفي بعض العواصم الخليجية مَن يعتبر الكيان الصهيوني «منتصراً» في حرب تموز! كما أن الحروب الثلاث المتتالية على غزّة هاشم، حيث الحصار الصهيوني والعربي المطبق عليها وطبيعة أرضها الأقلّ خطورة على قوّات العدو أظهرت عجز قوّاته على اختراقها، وذلك رغم عدم التكافؤ بين القدرات العسكرية بين العدو والمقاومة في غزّة. كما لا يجب أن ننسى أن العدو قبل الحروب قد اضطر إلى الخروج من غزّة تحت ضربات المقاومة. إذن، في سيناء، وغزّة، والجولان، ولبنان، هُزم جيش العدو، على الأقلّ في منعه من تحقيق أهدافه، وفي الحدّ الأقصى على اختراق خطوطه وعلى إخراجه من الأرض المحتلّة. أما اليوم، فهناك مَن يستعيد أمجاد الجيش الصهيوني بسبب غاراته المتكرّرة على سورية رغم تصدّي وسائل الدفاع الجوّي السورية التي منعته من فرض قوانين اشتباك لصالحه. واليوم يبدي العدو الصهيوني قلقه الواضح من تعاظم قدرات الجيش العربي السوري وحلفائه في سورية من الجمهورية الإسلامية في إيران والمقاومة، خاصة إذا تمركزت الأخيرة على جبهة الجولان. وبعض العواصم الخليجية ما زالت تراهن على إنجازات جيش العدو للمضي في أجنداتها في التطبيع والتصالح. لكن بعيداً عن هذه الوقائع التي يصعب نقضها، هناك تقييم موضوعي أميركي لقدرات العدو الصهيوني. فأحد المحلّلين العسكريين الذين شغلوا مناصب رفيعة في استخبارات الجيش الأميركي في المشرق العربي بشكل عام، وخاصة في كل من اليمن وسورية العقيد المتقاعد بات لانغ يعتبر قوّات العدو مجرّد ميليشيا وما يواكب ذلك المصطلح من ازدراء. كما أنه يصف المجنّدين الصهاينة بجيش «غوتشي»، أي الفرد الذي يهتمّ بمظاهر لباسه الفخمة وسائر مظاهر الرفاهية وليس بالقدرات القتالية. هذا ما أكّدته وقائع حرب تموز ودروسها، خاصة ما التقته وسائل التنصّت للمقاومة عن اهتمام عناصر العدو بتلك مظاهر الرفاهية. من جهة أخرى، نذكّر أن رئيس هيئة الأركان آنذاك دان حالوتس كان يتابع قبل وخلال حرب تموز محفظته المالية ويسيّلها خشية من انهيار البورصة الصهيونية أكثر مما كان يهتمّ بسير المعارك مع المقاومة في لبنان! فهل يدلّ ذلك على التزام بالقتال وتحمّل أوزار الحرب؟ وهناك ظاهرة جديدة عند الشباب الصهاينة، حيث يعملون على التهرّب من الخدمة العسكرية الإلزامية. فوفقاً لمعلومات نشرها موقع «المونيتور» وموقع «موندوويس» فإن نسبة التهرّب من الخدمة بعد حرب تمّوز وصلت إلى 25 بالمئة. أما اليوم فقد وصلت إلى ما يوازي ثلث عدد الملزمين بالخدمة. فالشباب الصهيوني غير معني بحروب حكوماته ضد الفلسطينيين العزّل، فما بالهم بالنسبة لمقاومة في كل من غزّة ولبنان؟! ويشير العقيد بات لانغ على موقعه الإلكتروني أن الجيش الصهيوني أصبح يقوم بعمليات أمنية غير عسكرية، وبالتالي خسر كثيراً من الكفاءات القتالية في الميدان. على صعيد آخر تفيد آخر الأنباء على موقع «موندوويس» أن قوى اليسار في الكيان الصهيوني تتحالف مع القوى الدينية لإصدار قانون يلغي الخدمة العسكرية الإلزامية. فإذا نجحت تلك الجهود فإن القدرة القتالية للعدو الصهيوني ستفتقد الخزّان البشري للمهام الحربية المقبلة مما يضعف إمكانياتها القتالية، رغم ضخامة وتقدّم نوعية السلاح التي يمتلكها. بالمقابل لا يمكن إلاّ أن نسجّل المفارقة بين قدرات العدو في العتاد وقدرات المقاومة في غزّة والضفّة الغربية. فالإبداع في اختراع وسائل المواجهة مع قوّات العدو وصلت إلى مرحلة السخرية من قدرات الأخير. وإذا كانت الحجارة، ثم السكاكين، ثم الدهس، وقبلها عمليات الاستشهاد، أدوات مواجهة ضربت سمعة العدو، فإن المواجهات بالصواريخ والأنفاق كانت أيضاً قاتلة بالنسبة له. ومؤخراً استطاعت المقاومة في غزّة امتلاك الطائرات المسيّرة عن بعد وبدون طيّار إضافة إلى الطائرات الورقية التي لا تكلّف أكثر من عشر دولارات والتي تحرق مزروعات العدو. فهي تجابه طائرات الإف 16 التي كلفتها عشرات الملايين من الدولارات! كما أن الصواريخ المصنوعة في غزّة لا تتجاوز كلفتها بضعة آلاف من الدولارات تواجهها صواريخ منظومة الباتريوت التي كلفتها أكثر من مليون دولار للصاروخ الواحد مع فعالية قد لا تتجاوز 30 في المئة! فبعد تلك الملاحظات هل يمكن الاستمرار بالانبهار بقدرات العدو وكأنها قدر على الأمة؟

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://znobia.com/?page=show_det&category_id=13&id=17209