دراسات

تفاصيل تُنشر لأول مرّة من داخل مخابر تحليل DNA جثامين الشهداء وضحايا الإرهاب

البعث


نحمل بين أيدينا عينة وراثية، ونتجه بها نحو هيئة الطب الشرعي لنقارنها بأخرى لعزيز فقدناه على يد الغدر والإرهاب، لننتظر طويلاً نتائج التحليل، مشهد لم يكن بمخيلة أحد منا، ولم نكن جاهزين لهذا السيناريو الذي أعده لنا أعداء الوطن، فكان الأمن والاستقرار سيد الموقف على الحياة العامة قبل الحرب، ولم يتم الأخذ بالحسبان أهمية هيئة الطب الشرعي كمفصل ضروري، وربما أهم المفاصل الإنسانية التي غيّبتها سنو الأمن، ولم نتصور أنها من القطاعات التي أوصلتها الحرب لحالة “الاحتضار” بعد هجرة كوادرها، ليغدو ذوو الضحايا والشهداء اليوم رهائن الوقت، ونقص الكادر، وضعف الميزانية، وليكون 56 طبيباً أكاديمياً، وهم ما تبقى من هذا الاختصاص، أمام مسؤولية ومهام جسام تدعمهم الدولة على أعلى المستويات للوصول لنتائج مرضية مهما كان الثمن، وتوظيف كل الإمكانيات لراحة بال المواطنين دون أن تكبدهم أي عناء مالي، لتقتصر حاجتنا اليوم في ظل تلك الرعاية على الانتظار والصبر، لأنها إجراءات تحتاج لوقت حتى في أكثر الدول تقدماً. الاستعراف الدكتور زاهر حجو، مدير الهيئة العامة للطب الشرعي، ارتأى خلال حديثه معنا “توضيح مصطلح الاستعراف، وطرقه المختلفة التي تبدأ بالاستعراف البصري والضوئي عن طريق الأشعة والأسنان، ليكون الـ DNA أحد مراحله الأخيرة التي يلجأ إليها عند العجز عن الاستعراف بالطرق المذكورة، والاستعراف الأولي يتم عن طريق البصمات المعتمد عليها عالمياً، وهي: الأسنان، وبصمة اليد، والبصمة الحيوية الوراثية، والاستعراف الثانوي يأتي عن طريق الاستعراف البصري، والألبسة التي ترتديها الضحية، أو الوشوم، وما إلى ذلك من معلومات تفيد بالتعرف على الجثة، وبما أن الاستعراف عن طريق الأسنان مهم جداً، تقوم الهيئة حالياً بتقوية اختصاص طب الأسنان الشرعي، حيث بات يتوفر عدد جيد من الاختصاصيين، وأكثر من 15 مقيماً مقابل (.) في الطب الشرعي البشري، وطمأن حجو الناس بأنه يستحيل أن تقوم الهيئة بدفن جثة مجهولة الهوية إلا بعد أخذ كل بياناتها، واستخدام تحاليل الـ DNA في حال عجز الاستعراف بالطرق الأخرى، مؤكداً أن الهدف الأول والأخير من كل ذلك أن تكون عملية الاستعراف متكاملة تشمل وتستخدم أكثر من طريقة بغية الوصول لنتيجة مؤكدة 100%. مشروع بصمة سنية وبعد تأكيد حجو على أن كل جثة ترد للطب الشرعي من أي مصدر، خاصة المقابر الجماعية، تحظى بأعلى درجات الاهتمام، وتخضع لكل الإجراءات اللازمة، بيّن أن الناس يعتقدون دوماً أن الـ DNA هو الحل الوحيد والسحري لأية حالة، على اعتبار أنه يحتاج لعينة من الجثة، وأخرى للمقارنة من الأهل، إلا أن الأخطاء صادفت حالات عديدة وبأرقى الدول، مشيراً بذلك إلى تفجيرات مدريد في الـ 2004، وتبيان 3 حالات كان قد أخطأ الـ DNA في تقييمها، لذا تسعى الهيئة لدراسة كاملة ومتكاملة تتخطى فيها احتمالية ورود أي خطأ، في حين لعب عدم وجود سجلات سنية خاصة بالمواطنين، نتيجة غياب ثقافة المراجعة الدورية لطبيب الأسنان، وبالتالي حفظ سجلات خاصة به، دوراً كبيراً بصعوبة الاستعراف التي كانت أكثر سهولة لو وجدت على شكل داتا، وبعد لحظ هذه الأهمية أكد مدير الهيئة على التعاون القائم مع وزارة الداخلية لإنجاز البصمة السنية، ابتداء من الأشخاص الذين لديهم خطورة على حياتهم كأبطال الجيش العربي السوري، والأمن الداخلي، والطيارين المدنيين والعسكريين، وتوسيعها فيما بعد لكل المجتمع بهدف حفظ داتا عن الأسنان، ووصفه حجو بالمشروع الواعد والمستقبلي، وهو الآن قيد الدراسة، ومن المحتمل صدور المرسوم الخاص به خلال فترة قصيرة، وسيعادل بأهميته بصمة اليد. داتا وراثية وطنية وحول طريقة التعرف على هوية الضحية أوضح حجو بأن الرفاة العظمية تفيد في تحديد عمر الشخص التقريبي، وطوله، وجنسه، وعرقه، والوقوف على إصابات سابقة موجودة، ويمكن من خلال العظام إجراء دراسة متكاملة عن الشخص، وبمساعدة الأسنان يمكن الوصول لهويته بنسبة عالية جداً دون الحاجة لفحص الـ DNA، وبغية الشفافية، ووضع المواطن بصورة ما يجري، وتصحيح اللغط الذي جرى حول المخابر، نوّه مدير الهيئة إلى أن عدد الشهداء والمفقودين يبلغ الآلاف، أما المخبر فله قدرة واستطاعة محددة لاختبار عدد معين من العينات، في وقت تحتاج عينة الـ DNA لعمل 7 أيام، وبتكلفة قدرت بـ 100 ألف للعينة الواحدة، أي بحدود 200 دولار، هذا عدا عن وجود عينة أخرى للمقارنة، وهي تكاليف أكد حجو أنها على حساب الدولة، ولن تترتب على المواطن أية أعباء، مفنداً بتأكيده كل ما أشيع حول احتمالية تكبيد ذوي الضحايا تلك التكاليف، وبالتوازي تسعى الهيئة لإنجاز داتا وطنية موحدة وموسعة للبصمة الوراثية بالتشبيك مع القطاع العسكري، لتكون غرفة عمليات موحدة تضاف للسجلات، بحيث تتم مقارنة العينات بأخرى مأخوذة من المقابر، وفي حال عدم تطابقها يبقى السجل حافظاً للعينة لمقارنتها بأخرى عند ورود أخبار عن مقابر جديدة، وإلى جانب ذلك، وبعد توقف المخابر عن العمل منذ 10 سنوات، نوّه الدكتور حجو إلى أن تفعيل المخبر تم دون أية تكاليف، وبجهود محلية كاملة، وبدأ استجرار العروض لتأمين المواد اللازمة للعينات، ورغم حاجة تلك التدابير لحوالي شهرين، تزاول الهيئة عملها بأخذ العينات بشكل يومي بعد الاستعانة بمخبر الأدلة الجنائية، وهنا كشف حجو، بغية تخفيف الضغط عن المخبر المذكور، نية هيئة الطب الشرعي خلال العام القادم، وضمن الخطة الاستثمارية، تجهيز المخبر الحالي باستطاعة عالية، ونقله إما للشمال “حلب” لوجود مجازر كثيرة حدثت، سواء بالرقة، أو غيرها، أو إلى الساحل السوري “اللاذقية” الذي يحتضن الكثير من الشهداء، بالتوازي مع تجهيز مخبر جديد يكون مركزه دمشق، ويكون قادراً على تحليل 96 عينة باليوم، علماً أن الطاقة العظمى الحالية للمخبر تتراوح ما بين 100 إلى 150 عينة شهرياً، وهو رقم خجول أمام الأرقام الواردة من المقابر الجماعية، والتي تصل للمئات بالمقبرة الواحدة، في وقت اعتبر حجو أن محدودية موازنة الهيئة وإمكانياتها لا تشكّل عائقاً أمام العمل، لاسيما أن سقف الدعم مفتوح من قبل الحكومة عند حدوث أي نقص. وعن العسكريين وفيما يتعلق بشهدائنا من أبطال الجيش العربي السوري الذين يحتضنهم ثرى الوطن في مقابر جماعية، أوضح الدكتور حجو أن ذلك في عهدة هيئة الطب الشرعي العسكري “الخدمات الطبية”، وهم يتولون فحص الرفاة، والجثث، وعرض عينات مقارنة من ذوي الشهداء، وعلى حد تعبيره يعملون بأقصى طاقتهم، وضمن إمكانياتهم المحدودة، وتقوم بالكشف عن مقابر العسكريين جهات تبذل جهوداً كبيرة، ومع ذلك نوّه حجو بأن عملية نبش القبور تحتاج لخبرة كبيرة يفتقدها البعض، فهو علم بحد ذاته، ومن الضروري أن يتحلى المعنيون بهذا الموضوع بدرجة عالية من العلم والدراية حتى لا تختلط الرفاة والجثث ببعضها، خاصة إذا كانت رفاة عظام، وتغدو حتى تحليل الـ DNA صعبة جداً وغير مجدية، عازياً ذلك لكون العظام مختلفة، وأعضاء الهيكل العظمي تغدو لشخصين وثلاث أشخاص ومختلطة ببعضها، وهنا يأمل الدكتور حجو، ومن باب الضرورة، أن يكون نبش القبور تحت إشراف هيئة الطب الشرعي، معتبراً أن أفضل حل لتوليهم هذه المسؤولية صدور قرار من أعلى جهة بتشكيل فريق موحد يتألف من وزارات مختلفة تتولى من خلاله هيئة الطب الشرعي مهامها أسوة بكل دول العالم. أخذ العينات وعن آلية عمل هيئة الطب الشرعي المدني أشار حجو إلى تشكيل فريق استعراف مكون من ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى تقوم بفحص الجثث وأخذ العينات، والمجموعة الثانية دورها محصور بلقاء أهالي المفقودين وأخذ بياناتهم، والفريق الثالث يتولى عملية المقارنة بين استمارة مفقود، وهو المشتبه به، واستمارة جثة مجهولة الهوية التي تم إعدادها مسبقاً وفق الأسس العالمية المشابهة للاستمارات المعتمدة من قبل الأنتربول والمؤلفة من 8 صفحات تتضمن كل المعلومات عن الشخص المفقود، وفي ظل ظروف الحرب التي نمر بها حاولت الهيئة البحث عن طرق ذات جدوى مماثلة لـ DNA. نبش القبور وأشار حجو إلى أن فريق الهيئة يعمل بطريقة علمية ومنهجية وأكاديمية، وتمنى حجو أن تتكلّف الهيئة بكامل الملف بما فيه العسكري، وبشكل رسمي، واضعاً على عاتقه مسؤولية تحمّل كل النتائج، ومؤكداً أن المواطنين سيأخذون نتائج مذهلة وخلال فترة قصيرة في حال توليهم المهمة، خاصة بعد إيفاد الهيئة أطباء من مختلف المحافظات إلى الصومال، وقبرص، وايطاليا، وكندا لتعلّم فن وعلم حفر القبور، والتعامل مع المقابر الجماعية منذ نبش القبر وانتهاء بـ DNA، إضافة إلى أن الـ 56 طبيباً المتبقين في سورية قد تعاملوا مع آلاف الجثث، وعشرات الإصابات، وهم ذوو خبرة ودقة عالية، وبما أن مجلس الإدارة في هيئة الطب الشرعي يضم طبيباً شرعياً عسكرياً وممثّلين عن وزارات: الدفاع، والداخلية، والتعليم العالي، فإن المحاسبة– بحسب حجو– تطال الجميع عند حدوث أي تقصير. هوية الإرهاب وكشف حجو أن عدد من استشهد بسبب القنص والقذائف بالمدن الكبرى كحلب وحمص والشام بلغ 40 ألفاً، فيما بلغ عدد جثث الإرهابيين من عرب، وأجانب، ومن عروق مختلفة في حلب وحدها المئات، واضطرت الهيئة لإجراء التحاليل لتلك الجثث بغية توثيق وتثبيت الإرهاب العالمي الموجود على أرض سورية، كما تم التعرف، في بداية أحداث حلب وبعد دخول الجيش إلى مناطق سيطر عليها المسلحون لفترة من الزمن، على 70 إلى 80 جثة مجهولة الهوية من مدنيين وعساكر، كان بعضها واضح المعالم، وبيّن حجو أن الجثث غير واضحة المعالم، ومشوهة، أو جثث مقطوعة الرأس كان يتم التعامل معها عن طريق التصوير، وأخذ العينة، وترقيمها، ودفنها في قبور بشكل علمي ومنطقي، ومفصولة عن بعضها، ومدموغة بأرقام الصور ريثما يأتي الأهالي للتعرف على شهدائهم، وفيما يخص الجثث التي تعرّضت للحرق، أوضح حجو إمكانية التعرف عليها من خلال دراسة الأسنان باعتبارها تقاوم كثيراً، أما العمر الزمني لبلاء ومحو معالمها فيكون خلال 6 أشهر إلى السنة حسب المعلومات الطبية، واستناداً إلى ما رأيناه في بداية الحرب، يقول الدكتور حجو: تم الكشف عن جثث احتفظت بمعالمها كاملة بعد مرور سنة ونصف على الموت والاستشهاد، وبالمقابل كانت هناك جثث اختفت معالمها بعد 20 يوماً، وفسر ذلك علمياً وطبياً بالخضوع لعوامل الجو، ونوع التربة التي تساهم بتحنيط الجثة، والحفاظ على خواصها بمكان الدفن وكأنها مدفونة تواً. لأنها ضرورة قد يكون لحظ أهمية هيئة الطب الشرعي جاء متأخراً لظروف عدة، إلا أن الوقت لم يفت بعد لإيلاء الهيئة كل الاهتمام، لاسيما أن المقابر الجماعية تكتشف كل يوم، وأرقام الشهداء كثيرة جداً، وقد يكون من المخجل بمكان ألا يتم احتضان الهيئة من أعلى الجهات، وتأمين ما يستلزم لتفعيل دورها بالسرعة القصوى، لأن أية خدمة في هذا الملف تأتي أولاً وأخيراً لإطفاء نار أوقدت في قلوب الأهالي أيقظها إرهاب أعمى، ولن تطفأ إلا باحتضان رفاة أبنائهم قريباً منهم بحثاً عن الطمأنينة والسكينة.

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://znobia.com/?page=show_det&category_id=12&id=16786