دراسات

الحماة والكنة ميراث من الصراع في العرف الشعبي

المحامي لؤي اسماعيل - موقع زنوبيا الاخباري


تبدأ قصتنا من حماة غير راضية عن عروس ابنها يعني  بالعامية " مو طايقتها " حيث وقفت أمامها بالعرس وآاهت : آويها يلي قاعدة جنب ابني آويها ما فيكي شي عاجبني آويها هلق بتقولي حبني آويها بكرة بتقولي كبني آويها و إن ما مشيتي دغري آويها لتلاقي بيت الضرة مبني لي لي لي لي ليش فلم تجد العروس مناصا من الرد عليها فقالت : آويها وحياة شالك وشنشالك.. آويها بعد أسبوع لأفضالك آويها و إن شاء الله فال الله و لا فالك آويها لأشغل بالك و انهب مالك آويها و ابنك ما بيهنالك آويها و بعدها لفرجيكي حالك لي لي لي لي ليش إنها باختصار قصة الصراع بين الحماة والكنة ذلك الصراع الذي تناقلته المخيلة الشعبية وأضفت عليها الكثير من القصص والروايات التي تضيق بها الكتب . الحماة ، اسم لا يزال يثير هواجس الكثيرين سواء الكنة أو الصهر ، إنها نذر حرب شاملة لا تعرف الهوادة والبقاء فيها للأقوى الذي يستطيع بنهاية المعركة تطفيش الخصم الآخر وإجباره على الاستسلام بالضربة القاضية . تفترض المخيلة الشعبية حتمية المواجهة بين الحماة والكنة فهو صراع لإثبات الوجود حيث تبدأ نذر الصراع تلوح منذ اللحظات الأولى التي يعلن فيها الشاب نيته بالاقتران بالفتاة التي يريد حيث تبدأ والدته بإجتراح العيوب والنواقص بالفتاة بسبب رغبة الأم بكنة مفصلة على مقياسها ومن اختيارها هي دون غيرها مما يسمح لها بفرض سيطرتها وسطوتها عليها بحيث لو أراد الشاب الاقتران بمن يرغب فسيجد دون ذلك العوائق والصعوبات والمشاكل والكيدية والكراهية " أخبر شاب أمه أنه وقع في الحب ويريد أن يتزوج، وعلى سبيل المزاح قال لأمه: "سأحضر غداً ثلاث بنات لتعرفي بنفسك أيهن اخترت" ووافقت الأم وفي اليوم التالي أحضر الشاب ثلاث بنات جميلات وقدمهن لأمه وبعد ساعة من الدردشة سأل أمه: "هاه..هل عرفت من اخترت لأتزوجها؟" قالت الأم: "نعم، البنت التي إلى اليمين" فتعجب الشاب وسأل أمه: "كيف عرفت ؟" قالت له: "ببساطه لأنها لم تعجبني" . وعن سبب الكراهية التاريخية للحماة يقول علماء علم الاجتماع إن البعض يعتبر أن كل شخص لا يشاركنا الرأي أو وجهة النظر هو لا يحبنا بل يعادينا وهذا الاعتقاد غير صحيح ويدل على عدم توازن الشخصية ونقص النضج العاطفي وبعض الناس برغم تخطيهم سن الرشد تكون علاقاتهم الإنسانية بلا وعي أو بلا تقدير كاف‏ . وينصح العلماء الزوجات الشابات عموما بتفهم نفسية الحماة التي ربت وسهرت وتعبت وضحت من أجل ابنها وها هي ترى زوجة الابن أو زوج الابنة قد حلّت مكانها وهنا يلعب الحب والحنان دورا كبيرا في ضمان السعادة في البيت الجديد فإحساس الحماة بحب زوجة الابن لها هو تعويض عن سلب ممتلكاتها التي أفنت حياتها في الحفاظ عليها‏. أما عن العوامل التي تجعل الحماة تنظر إلى زوج ابنتها أو زوجة ابنها باعتبار أنهما خطفا منها أعز ما تملك، فهذا عائد للأنانية وحب السيطرة والتملك، وقد تكون شخصية الحماة مسيطرة فتبدأ في النقد والتحليل لكل تصرف ومقارنة حال الابن أو الابنة أيام كان تحت سيطرتها ثم بعد خروجه منها من وجهة نظرها‏ " لذلك تبدأ عملية تدخلها في الصغيرة والكبيرة للحياة الزوجية لإبنها أو ابنتها في محاولة جاهدة منها للحفاظ على سلطتها ونظرتها لمصلحة أبنائها باعتبارها الكائن الوحيد الذي يعرف مصلحتهم وهنا تبدأ المشاكل التي قد تهدم أواصر العلاقة الزوجية في حد ذاتها وهذا ما دفع الكثير من العلماء لإجراء البحوث والدراسات التي لا تخلو من الطرافة عن أثر " الحماة " في العلاقة الزوجية فلقد قال باحثون أن عيش المرأة مع حماتها تحت سقف يسبب لها أمراضاً قد تكون قاتلة. وأشارت نتائج دراسة نشرتها صحيفة "الديلي ميل" إلى أن الضغط النفسي الذي تعاني منه المرأة التي تضطر للعيش مع حماتها، يزيد احتمال إصابتها بارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب. ووجدت الدراسة التي أجريت ما بين عام 1990م و2004م في اليابان وشملت عدداً كبيراً من النساء أن المرأة التي تعيش مع أبويها أو والدي زوجها وأطفالها معرضة للإصابة بأمراض القلب ثلاث مرات أكثر من نظيرتها التي تعيش مع زوجها. ووصفت نساء في الدراسة الحموات بأنهن "قوة مدمرة" وهي العبارة التي استعارها فيلم "مونسترين - لو" في سياق قصة تدور حول المتاعب التي تسببها الحموات للأشخاص الذين يعيشون معهن. كما كشفت دراسة حكومية ماليزية أن سوء العلاقة بين المرأة وحماتها أو الرجل وحماته هو أهم سبب للطلاق بين ذوي الأصول الهندية في البلاد، بينما يعد سبباً رئيسياً فقط بين الأزواج ذوي الأصول الصينية والماليزية وأوضحت 'الهيئة الوطنية للأسرة والتنمية' أن 30 في المئة من أطراف حالات الطلاق بين ذوي الأصول الهندية قالوا إن السبب هو تدخل أقارب الطرف الآخر، ولاسيما الحماة . وفي مصر تشير أحدث الدراسات الصادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية إلى أن 28% من حالات الطلاق سببها سيطرة الحماة، فيما ذكرت دراسة أخرى أن 3 أزواج من كل عشرة ينفصلون خلال الأعوام الأولى للزواج لهذا السبب أيضاً . ويذهب العرف العام إلى أن الحماة هي مصدر المتاعب والمشاكل بينما " العم " والد الزوج أو الزوجة فهو " طفاية الحريق " أو المغلوب على أمره الذي لا يستطيع حيلة أمام مكائد زوجته ، لذلك قلما نجد دورا " للعم " في إشعال الحريق والتحريض على الفتنة وتوهين نفسية الأسرة ولكن وللأمانة نجد أن " العم " قد يكون هو سبب المشاكل بسبب رغبته بإخضاع كنته أو صهره لسيطرته أو رغبته بجعل ابنته صاحبة الكلمة الوحيدة في بيتها لذلك وكما يقولون في العامية " يدير ابنته " ويخطط لها ويوجهها " ويعلمها " ضد حماتها كحال الشاعر أبو النجم العجلي حيث دخل يوما على هشام بن عبد الملك فسأله هشام عن أحواله فأخبره العجلي أنه زوج ابنتيه فسأله هشام ماذا أوصيت الأولى وكان اسمها بره فأنشده العجلي أوصيت بره قلبا حرا بالكلب خيرا والحماة شرا لا تسأمي ضربا لها وجرا حتى ترى حلو الحياة مرا أما الأخرى فأوصاها سبي الحماة وافتري عليها وإن دنت فازدلفي إليها وأوجعي بالفهر ركبتيها ومرفقيها واضربي جنبيها أي يوصيها بأن تكون كنة نكدية تحارب على جميع الجهات وهو ما نراه في حالات اجتماعية عديدة حيث تلعب الكنة أو الزوجة دور مفتعلة المشاكل بحق " حماتها " بقصد تطفيشها ليخلو لها الجو مع زوجها وهنا تضعنا الروايات في الغالب أمام صورة زوج يكافح ويجاهد للتوفيق بين زوجته ووالدته ولو على حساب راحته أو أمام " الحماة " التي تضطر لبلع الموس على الحدين كي لا تخرب بيت ابنها وتسبب له المشاكل مع زوجته وهنالك مثل يمني طريف يقول :(بلاش دوشه. يوم أنت ويوم أمك ) وقصته :أراد رجل أن يتزوج كي تساعد الزوجة والدته في إدارة شؤون البيت وفضل أن تكون زوجته متعلمة وحاصلة على الشهادة الثانوية على الأقل وبعد أن حصل على مرامه مّر أكثر من شهر على الزواج ولم تنهض المرأة بمهمتها في مساعدة أم زوجها في إدارة البيت بل بقيت مستمرة في مطالعة الكتب و المجلات و الجرائد، فقرر الزوج مع والدته اتخاذ خطة من اجل تنبيه الزوجة لواجباتها البيتية ،فقال لوالدته: امسكي المكنسة حالما أعود للبيت من عملي وأنا بدوري سأحاول أخذها منك وأقول : ما يصح أن تكنسي يا أمي وسأقوم أنا بعملية الكنس ،ترد إلام لا يا ولدي مايصح الرجل يكنس ،وكانت الزوجة تقرأ على عادتها فوق الكرسي وهي تسمع المحاورة و النقاش بين الأم وولدها ،فصاحت بصوت مرتفع:( بلاش دوشه يوم أنت ويوم أمك ) !!! وفي السينما يكاد يكون فيلم " عريس من جهة أمنية " من الأفلام القليلة عربيا أو قد يكون الوحيد الذي تعرض لدور " العم " في إثارة المشاكل لزوج ابنته وهو من بطولة " عادل إمام " الذي يجب ابنته حبا شديدا يصل إلى درجة الأنانية لذلك يقوم بما يشبه حالات التعجيز لمن يرغب بالزواج من ابنته بينما تتعدد الأفلام التي تتحدث عن " الحماة وفنونها وتعتبر الفنانة زكية ابراهيم من أقدم النماذج السينمائية للحماة كفيلم " سلفني ثلاثة جنيه " أما الفنانة ماري منيب فهي وبدون منازع أشهر حماوات السينما المصرية والعربية لدرجة أن أدوارها في الأفلام حملت اسم الفيلم نفسه كأفلام " حماتي قنبلة ذرية – حماتي ملاك – الحماوات الفاتنات " . ومما لا ريب فيه فإن الأمر قد اختلف إلى حد كبير في العصر الحديث نتيجة زيادة الوعي الاجتماعي حيث تغيرت تلك النظرة المريبة إلى " الحماة " التي هي أم ثانية بكل معنى الكلمة ويجب التعامل معها على هذا الأساس وعموما في ظل الاستقلالية التي باتت معظم الأسر تتمتع بها حيث يكون للشاب مسكنا خاص به بمنأى عن مسكن أهله فإن المشاكل باتت أقل واخف وطأة إضافة إلى ارتفاع السوية التعليمية الذي انعكس إيجابا على مختلف نواحي هذه القضية ومن كافة جوانبها .

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://znobia.com/?page=show_det&category_id=12&id=14299