فريـش

في الذكرى الأولى لرحيله... سليمان العيسى «قصـة الفجـر الأول»

تشرين


سليمان العيسى.. فعندما كنا صغاراً على مقاعد الدراسة نتعلم أول حرف من حروف الهجاء.. قرأنا حينها ذلك الاسم للمرة الأولى.. وإلى اليوم مازالت الأجيال تنشد الأبيات التي قضى العيسى في خطها سطراً سطراً، ولكن الفرق أن شاعر الطفولة قد مضى عام على رحيله، تاركاً على مقاعد الدراسة الأولى وفي أفئدة وأذهان الكبار دواوين من الأناشيد العذبة التي تبدأ بـ«فلسطين داري» ولا تنتهي بـ«ناداهم البرق فاجتازوه وانهمروا». وفي الذكرى السنوية لرحيل المربي الفاضل سليمان العيسى يستمر الرثاء لشاعر رحل ولم يرحل، وكيف يغيب وقد ترك خلفه إرثاً أدبياً كبيراً لن يغيب؟. كان الشاعر الكبير كأول نشيد في طفولة أجيال متعاقبة صار كثير منها الآن من قامات العصر، كتب للأم، للأب، للأرض، للربيع وللحقول والغيوم وطبعاً لفلسطين، وساهم إلى أبعد حد في تشكيل ثقافتنا الجمالية الأولى. من منا لم يعرف صغيراً سليمان العيسى صديق الجميع؟.. كان يجلس في جوار كل طفل على مقعد الدراسة في أول تجربة له مع الحياة خارج أحضان والديه.. من منا لا يحفظ.. ورقات تطفر في الدرب، والغيمة شقراء الهدب؟ وفاءً للشاعر الكبير وتخليداً لذكراه الطيبة، أقامت الشعبة المركزية للحزب بالتعاون مع دار البعث ندوة أدبية بعنوان «سليمان العيسى وقصة الفجر الأول» بحضور رفيقة عمره الدكتورة ملكة أبيض، ولفيف من أصدقاء العيسى ومحبيه وعدد من المثقفين والأدباء والكتاب وعدد من الكتاب الأتراك. عطاء دائم وفي تصريح خاص لـ«تشرين» قالت الدكتورة ملكة أبيض: 64 سنة قضيتها برفقته تتوارد فيها ذاكرة قوية، فهو فريد في تصرفاته التي تفاجئني وهو شخص لا يعرف الأنانية ولا يسعى إلى المصلحة الشخصية ولا يهتم بالأمور المادية، وكل ما يهمه كان العطاء الدائم. وأشارت أبيض إلى أن القدر جمعها بالراحل العيسى «وشعرت بالاحترام الكبير تجاهه، كإنسان واسع الثقافة العربية القومية الأصيلة والثقافة الغربية المتفتحة، واحترام المبدأ الذي يؤمن به ويصر على أن يجعله قائداً في تصرفاته وأعماله واحترام الحلم، حلم الوحدة العربية الذي كان يسعى إليه، وعندما رأيت كل هذه الصفات الجميلة وافقت على أن أسير معه في الدرب نفسه». واستذكرت رفيق دربها الراحل عندما كان يساعدها في أعمالها البحثية والدراسية وفي المقابل سهرت معه ليالي طوال وهي تقدم له العون في كل ما يطلبه من ترجمات ودراسات وغيرهما. وفي كلمتها خلال الندوة قالت أبيض: إن رحلة العطاء المستمرة للشاعر سليمان العيسى شملت الشأنين العام والخاص ولطالما اعتبر نفسه خلية في جسد، فكان بذلك حاضراً خلال الثورة والأحداث الكثيرة في فلسطين والجزائر والعراق وسورية، ويتابع الأحداث ويتفاعل معها معتلياً المنابر بقصائده التي رفعت من تفاؤل وإيمان الجماهير نحو المستقبل. وكشفت عن إعادة جمع الكتب والمخطوطات التي أبدعها العيسى وإعادة تصنيفها، مشيرة إلى الانعطافة في مسيرة العيسى بعد نكسة 1967 «من خلال رؤيته الجديدة التي ارتكزت على النبرة الهادئة وتوجهه إلى الخطاب العقلاني مع استخدام الكلمات البسيطة ليفهمها الجمهور». عفوية وبساطة وعن علاقته مع الأطفال قالت أبيض: اتسمت بالبساطة والعفوية، حتى لقب بشاعر الطفولة لأنه يمثل لهذه الأجيال شغف الطفولة التي يبقى ألقها وذكرياتها ماثلين في الوجدان، يستحضرونها عبر قصائد كثيرة للشاعر العيسى حفظوها عن ظهر قلب، وارتبطت في ذاكرتهم باسمه، هذا الشاعر الكبير الذي خاطب اهتمامات الأطفال في كل المجالات. وأضافت الأبيض: في كتاباته الجديدة تكلم سليمان العيسى عن امرئ القيس وصولاً إلى نزار قباني وعن المدن العربية وبعض الأمكنة الحضارية، ولجأ إلى تنوع الأشكال الشعرية في كتاباته الجديدة، فكتب الشعر الحر والنثر وقصيدة النثر وغير ذلك من المسرح الشعري والمقالة. صديق الشاعر الراحل الدكتور علي القيم- رئيس تحرير مجلة «المعرفة» تحدث خلال الندوة عن علاقة الصداقة التي جمعته مع العيسى والتي بدأت بزيارة الأخير لوالد القيم في الساحل والريف السوري للتبشير بأفكار البعث. ولم يفت القيم التنويه بأن وجود رفيقة عمر الراحل لأكثر من 60 عاماً، زوجته أبيض كان لها الفضل الكبير، مضيفاً أن شاعراً في القرن العشرين لم يحتل هذا الحيز بامتلاك ناصية اللغة وكانت أول قصائده منذ نعومة أظفاره. الحلم العربي وأضاف القيم: ألف سليمان العيسى 85 كتاباً آمن خلالها بالأمة العربية ودعا إلى التمسك بالحضارة والتاريخ، وكأنه يؤكد على النصر ويتفاءل به، فهو الشاعر الذي حول الألم والنكبات إلى نصر وتفاؤل ولاسيما أنه عاصر نكبات كثيرة مرت على البلاد كالاستعمار الفرنسي وسلب لواء اسكندرون، وقضى عمره وهو يؤكد أن الحلم العربي يجب ألا ينكر فهو موجود في الأطفال والنضال والبعث والقومية العربية. من جهته عدّ رئيس تحرير جريدة الأسبوع الأدبي الدكتور نزار بني المرجة أن اللقاء في ذكرى رحيل الشاعر سليمان العيسى ينطوي على الكثير من الوفاء لأحد مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي. شجرة التوت وعاد بني المرجة لاستذكار الكلمة التي أرسلها الشاعر سليمان العيسى وألقيت في حفل تكريمه في قريته النعيرية لأن المرض حال دون حضوره حينها، مؤكداً أن الكلمة كانت مؤثرة وفاضت لها دموع الحضور بعد أن عبر خلالها عن شوقه ومحبته لقريته وأهله وجيرانه ورفاق طفولته وشبابه. وقال: كان هذا الاحتفال يوماً مشهوداً رغم برودة الطقس والأمطار، وامتلأت عيون أهل العيسى في النعيرية بالدموع، واستحضر بني المرجة حادثة حفنة التراب التي أحضرها من المكان الذي احتضن شجرة التوت في قرية العيسى والتي تقبلها العيسى بتأثر كأغلى هدية، «وهذا يدل على تعلق العيسى بأرضه وحنينه المقيم في حناياه إلى ذلك المكان». عدّ بني المرجة أن الجميل هو مبادرة أنطاكية بجمع كل ما قيل من كلمات في الاحتفال الذي أقيم على مدى يومين في كتاب وقبول العيسى للاقتراح الذي قدمه له بأن تزين صورة النعيرية الغلاف الأخير للكتاب الذي حمل هذا العنوان معداً أن العيسى جسّد عبر مسيرة حياته مقولة أنه مواطن عربي بامتياز وهو الذي وزع سنوات حياته على أقطار الوطن العربي ليس كسائح بل كمقيم، كما إنه جسد عروبته ليس بكلامه فقط بل بأفعاله. واختتمت الإعلامية إلهام سلطان مشاركات الندوة بتوجيه التحية لشهداء الوطن والجيش العربي السوري الأبي، ملقية العديد من الأبيات التي تتغنى بالوطن المعطاء وبشعبه الذي بقي كتلة واحدة عصية على التفتيت. شاعر الأطفال ووصفت سلطان العيسى بشاعر البعث والحب والطفولة معتبرة أنه كان مع البعث منذ طفولته تعلم على يد والده تحت شجرة التوت التي بقيت لها مكانة مهمة في نفسه. وركزت في قراءاتها لحياة الشاعر الأدبية على المناحي الوطنية والثورية التي التزم بها الشاعر بالثوابت الوطنية والقومية ووصل عبرها إلى كل الطبقات بأسلوبه المتماسك البسيط وعباراته الرشيقة حيث قال في قسمه.. (باسم الشعب.. أقسم بالبرق العربي النابت.. من صدر الشهداء فنحن الدرب). وذّكرت بأثره التاريخي في نفوس الأجيال ولاسيما الأطفال الذي زرع في خيالاتهم مبادئ الوطنية وحب الوطن وعراقة الانتماء لافتة إلى «نشيد البعث» الذي كتبه وهو خالد في أذهاننا حتى اليوم.

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://znobia.com/?page=show_det&category_id=11&id=1414