دراسات

الطربوش .. المصريون احتفلوا به وفي سوريا منع بمرسوم

المحامي لؤي اسماعيل - موقع زنوبيا الاخباري


الطربوش هو غطاء للرأس أحمر اللون أو من مشتقاته وهو على شكل مخروط ناقص، تتدلى من الجانب الخلفي منه حزمة من الخيوط الحريرية السوداء أو الزرقاء وهناك نوعان من الطرابيش الأول يصنع من الجوخ الملبّس على قاعدة من القش أو الخوص، والثاني من الصوف المضغوط وقد انتشر الطربوش في مختلف الدول العربية التي كانت خاضعة للاحتلال العثماني ففي مصر عمد محمد علي وفي إطار حرصه على تنمية الصناعة في مصر والاستغناء عن البضائع الأجنبية إلى إنشاء مصنع لصنع الطرابيش حيث حققت مصر اكتفاء ذاتيا منه وعندما أجهز الغرب على دولة محمد علي باتفاقية 1840 كان حريصا على تفكيك مصانعه بما في ذلك مصنع الطرابيش . وفي عام 1932 و أثناء احتفال مصطفى كمال أتاتورك بإعلان الجمهورية التركية كان الوزير المفوض المصري يلبس طربوشا معتبرا ، و أثناء الوليمة لاحظ أتاتورك الطربوش على رأس الوزير المصري ، و كان يكره الطرابيش كثيرا حيث سبق له أن أصدر أمرا عرف بقانون القيافة في عام 1926 منع بموجبه استعمال الطربوش الأحمر المعروف لتحل محله القبعات الغربية ، لذلك فقد طلب أتاتورك من الوزير المصري خلع الطربوش ، لكن الوزير رفض ذلك بشدة واعتبره بمثابة الاهانة فما كان من أتاتورك إلا أن أمر " السفرجي " بأن يقوم بإزالة الطربوش عنوة عن رأس الوزير المصري " ويا غيرة الدين " حيث أثارت خطوة أتاتورك هذه غضب الشعب المصري ووصلت الأمور إلى حد القطيعة إلا أن أتاتورك استدرك الموقف وقدم اعتذارا رسميا عما فعله ، الأمر الذي أثار فرحة " المصريين " فأقاموا الاحتفالات بعودة " الكرامة " و رقصوا في الشوارع و أعلنوا سنة 1932 سنة الطربوش ! وبلغ اهتمام الشعب المصري بالطربوش أن قامت حركات سياسية وجمعيات مصرية لتأييد الطربوش مثل جمعية "زر طربوش" و" كومة فلوس " و "جمعية الرفق بالطربوش " و "جمعية طرابيش بلدنا أجدع طرابيش " وبلغت ذروتها بقيام مجموعة شباب عرفت بـ «جماعة الشباب الحر» وهم طلاب في كلية الحقوق بطرح مشروع القرش من أجل استقلال مصر الاقتصادي سنة 1932 باعتبار انه من "العار" على المصريين أن يستوردوا لباس رأسهم القومي من خارج مصر ويقوم أساس المشروع على تبرع كل مواطن بقرش واحد، ليبنوا بالحصيلة مصنعا للطرابيش وأصدر احمد حسين صاحب الفكرة وهو طالب في السنة الثانية في كلية الحقوق بيانا قال فيه : " لا يفكر شخص في الامتناع عن شراء طوابع القرش، فالمتطوعون مكلفون بالتعرض لكل شخص لا يحمل طابع القرش، والمتطوعون ألوف وألوف، وإذن فخير لك أن تدفع ". ، وشارك في الحملة آلاف المتطوعين وباركتها الأحزاب السياسية وسخرت لها الحكومة فرق الموسيقى العسكرية والحفلات، وشارك فيها المطربون، وبلغت حصيلة مشروع القرش في العام الأول نحو 17 ألف جنيه، وفي العام التالي نحو 13 ألف جنيه وهي مبالغ كبيرة جدا بمقاييس الثلاثينات. وأسفر مشروع الطربوش بالفعل، عن إنشاء مصنع للطرابيش في العباسية سنة 1933. وقد اشتهر أفراد العائلات المصرية العريقة بلبس الطربوش مثل عائلة سعد زغلول الزعيم الوطني المعروف، وحبيب باشا السعد، وفكري أباظة رئيس تحرير المصور، وطه حسين الكاتب المعروف ، وبدأ انزواء الطربوش بعد قيام ثورة تموز حيث ألغي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ارتداء الطربوش بعد أن كان إلزاميا علي الموظفين وطلاب المدارس والجامعات والعساكر. أما في العراق فقد استمر لبس الطربوش كغيرها من الأقطار العربية إلى أن تولى جعفر العسكري رئاسة الوزراء إبان حكم فيصل الأول حيث بدّل لبس الطربوش بالسدارة العراقية، وأخذ الملك فيصل نفسه يحث الوزراء وكبار الموظفين على ارتداء السدارة حتى أطلق عليها تسمية «الفيصلية». وفي بلاد الشام انتشر لبس الطربوش مع تعيين إبراهيم باشا والياً على المنطقة وكان العامل الأساسي في انتشاره وشيوعه هو الفرمان الشاهاني الذي أصدره السلطان العثماني محمود الثاني سنة (1824م) والذي اهتم بلباس رجال دولته ورعيته، وحدد في هذا الفرمان طول الشارب واللحية وطراز الجبة وعرض أكمامها وأوجب لبس الطربوش كلباس للرأس معترف به رسمياً بل كان أول من لبس الطربوش من سلاطين الدولة العثمانية وتم شراء خمسين ألف طربوش من تونس، كذلك تم تأسيس أول معمل لها في الأستانة وقد استدعى لهذا الغرض بعض الخبراء من تونس وفاس بعمل الطرابيش للجيش التركي.. وبدأ زوال الطرابيش عمليا من الشوارع السورية في عام 1949 حيث أصدر الرئيس السابق "حسني الزعيم" مرسوما قضى بموجبه بمنع الموظفين والمستخدمين لدي الحكومة من ارتدائه ثم ألحقه بمرسوم أكثر طرافة منع بموجبه السير بالشوارع بلباس البيجاما وبعد نهاية حكم الزعيم ألغي الرئيس الأسبق هاشم الأتاسي مرسوم الطرابيش والبيجاما ولكن الانقلاب التالي بزعامة أديب الشيشكلي أعاد العمل بمرسوم البيجاما ونسي مرسوم الطربوش ، و من مشاهير زعماء سورية الذين لبسوا الطربوش الرئيس هاشم الأتاسي والزعيم سعد الله الجابري والرئيس شكري القوتلي والسياسي والأديب فخري البارودي ورئيس وزراء سورية فارس الخوري أما في بيروت فقد اشتهر آل حيدر وآل ارسلان وآل الخازن وآل سلام وغيرهم من كبار العائلات ورجال الحكم بارتداء الطربوش والتفاخر به ، حتى قيل أن المسؤول في الوزارة أو في مجلس النواب إذا كان لا يرتدي الطربوش فلا يمكن أن يكون على مستوى المسؤولية والجدية في اتخاذ القرارات حتى انه كان في بيروت مقهى لا يدخله الشباب إلا إذا كانت معتمراً الطربوش . وفي فلسطين فإن العائلات الفلسطينية الكبيرة كانت ترتدي الطربوش رمزاً للجاه الاجتماعي والمكانة الدينية والسياسية ومن أشهر الرجالات التي لبست الطربوش هو الحاج أمين الحسيني الزعيم الفلسطيني الذي قاد ثورة الفلسطينيين قبل عام 1948. ومن طريف ما يذكر أن حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين كانت تتجنب اعتقال لابسي الطرابيش خلال مطاردتها لرجال الثورة في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي اعتقاداً منها أن رجال الثورة جميعهم من لابسي الكوفية والعقال. ثم كان أن طلب رجال الثورة في فلسطين من سكان المدن استبدال الطربوش بالكوفية (الغترة والعقال) ليتمكن الثوار من التخفي والانتشار بين الناس إلا أن القائد جمال الحسيني ورفاقه سمحوا بعد العودة من منفاهم إلى جزيرة سيشل للمواطنين باستخدام الطرابيش . لم يعد للطربوش الآن أهميته الأولى حيث انزوى في محلات بيع التحف والشرقيات بعد أن أغلقت مصانعه واندثرت صناعته نتيجة تغير إيقاع العصر واختلاف أذواق الناس وتغير نظرتهم إلى الكثير من الأشياء التي كانت سائدة يوما ما .

Copyrights © Znobia.com

المصدر:   http://znobia.com/?page=show_det&category_id=12&id=13868